الخميس 27 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أجمل ما في الحياة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يعترف المرء عادة بالجوانب الجميلة فى حياته. غالبًا ما يتحدث الناس عن الأشياء التى يفتقدونها، عن الخسائر والسلبيات والأحداث السيئة، ربما لأنهم لا يقدرون الأشياء التى حصلوا عليها بالفعل، أو ربما لأن الأشياء التى لم يحصلوا عليها أكثر حضورًا فى أذهانهم.
لكننى، مهما كانت المتاعب والسلبيات والخسائر التى جلبتها لى مهنة الصحافة، لا أنسى، ولا أحب أن أنسى، ذلك اليوم الذى جلست فيه على مقهى قريب من مؤسسة «روزاليوسف».. أتأمل المبنى وأراقب الداخلين والمغادرين، وأتمنى من عمق قلبى أن أكون واحدًا من هؤلاء الصحفيين الذين يعملون فى «روزاليوسف».
فى الثانوية العامة كنت أخطط لدخول كلية الإعلام، ولكن بسبب نصف درجة أقل فى المجموع التحقت بكلية الألسن، وتصورت للحظة أن حلمى فى أن أكون صحفيًا ضاع للأبد.
أتذكر أن أمى كانت سعيدة لأننى لم أصبح صحفيًا، فقد كانت تعتقد أننى مشاغب أكثر من اللازم، وأننى لن أعمر فى مهنة المتاعب.
على أي حال مرت سنوات الكلية وقد نسيت الحلم، وبعد التخرج عملت بالسياحة، وقضيت أكثر من عام فى مدينة شرم الشيخ، ثم عينت موظفًا بشركة مصر للطيران، بفضل مهارتى فى لعبة الشطرنج، فقد كانت الشركات أيامها تتسابق على تعيين الرياضيين للمنافسة بهم فى بطولة الشركات، وكانت مصر للطيران من الشركات ذات الشأن التى تتنافس بقوة على المركز الأول بجانب الشركة الشرقية للدخان والنصر للاستيراد والتصدير.. من بين شركات أخرى.
الشطرنج كان له الفضل أيضًا فى التحاقى كعضو رياضى بنادى الجزيرة وبدء صداقتى مع الأديب والصحفى الكبير الراحل فتحى غانم.
كنت أكتب بعض القصص والمقالات، وأحلم أن أكون أديبًا، كما قمت بكتابة كتاب عن لاعب الشطرنج وبطل العالم الأمريكى، بوبى فيشر، ما زلت أحتفظ بمسوداته التى لم تنشر بعد. وقد أطلعت الأستاذ فتحى غانم على بعض ما أكتب، حتى فاجأنى ذات يوم بسؤالى عما إذا كنت أرغب فى إعداد باب أسبوعى عن الشطرنج فى مجلة «روز اليوسف».
«روزاليوسف» بالنسبة لى كانت هى الصحافة، والصحافة كانت «روزاليوسف»، ولم أتصور نفسى أبدًا صحفيًا فى مكان آخر، حتى لو كان «الأهرام» أو «الأخبار».. ولعل هذا اليوم الذى سألنى فيه فتحى غانم عن رغبتى فى الانضمام إلى المهنة كضيف عليها هو أهم وأسعد أيام حياتى، بالرغم من أننى لم أدرك ذلك وقتها.
فى ذلك الوقت كنت أعشق السينما، بجانب الأدب، ولكن لم يكن لدى تصور عن الطريقة التى ستتحول بها السينما إلى مهنتى الأساسية.
حدث ذلك بعد عدة سنوات من العمل فى قسم الفن فى مجلة «روزاليوسف» مع رئيس القسم الأستاذ محمد عتمان، أمده الله بالعمر والصحة.
خلال تلك السنوات انتقلت من صفحة الشطرنج إلى الصحافة كمحرر فنى وثقافى ومترجم من الإنجليزية والألمانية.. وبهذا أصبحت كلية الألسن وامتلاكى لأكثر من لغة ميزة إضافية ساعدتنى كثيرًا فى الصحافة، ثم فى مهنة النقد السينمائى.. وهى واحدة أخرى من تصاريف الأقدار العجيبة.
بعد سنوات من العمل كمحرر فنى ومترجم صحفى بدأت ملامح الطريق تتضح من خلال اهتمامى وتركيزى الأكبر على السينما، خاصة السينما العالمية التى كنت ملمًا بها بشكل خاص من خلال ترددى القديم على المراكز الثقافية الأجنبية ونادى سينما القاهرة ومهرجان القاهرة السينمائى وقراءاتى لكتب الناقد الكبير رءوف توفيق، أمده الله بوافر الصحة والعمر المديد، وغيرها.
فى ذلك الوقت، بداية التسعينيات، لم يكن للسينما العالمية جمهور كبير فى مصر كما هو الحال الآن، ولذلك وجدت الطريق ممهدًا وخاليًا أمامى تقريبًا، حتى أتى يوم آخر حاسم فى حياتى.
قبل أيام من بدء دورة مهرجان القاهرة السينمائى عام ١٩٩٣ توفى واحد من أعظم السينمائيين ومن أحبهم إلى قلبى، وهو المخرج الإيطالى فيدريكو فللينى، وأثناء إجرائى لحوار مع رئيس المهرجان، الكاتب الراحل سعد الدين وهبة، عرض علىّ إعداد كتاب عن فللينى لينشر ضمن مطبوعات المهرجان.. وقد كان.
من خلال عملى كناقد سينمائى شاهدت أهم الأفلام وحضرت أكبر المهرجانات وسافرت إلى كثير من بلاد العالم، وفوق ذلك التقيت ورأيت أكبر نجوم وصناع السينما العالمية، وهو شيء يحسدنى الكثيرون عليه، بالرغم من أن خجلى، أو كبريائى ربما، منعانى من الاستمتاع كثيرًا بهذه الميزة.. حتى أننى كثيرًا ما التقيت أحب السينمائيين المصريين والعرب والأجانب إلى قلبى ولم أجرؤ على التصوير معهم، وهو عيب بدأت أخيرًا فى التخلص منه خلال السنوات الأخيرة.
لماذا أكتب هذا الآن؟
لأننى يوم الجمعة الماضى، خلال حضورى لمهرجان مراكش السينمائى الدولى، شاهدت اثنين من أعظم المخرجين على وجه الأرض، وهما فرانسيس فورد كوبولا صاحب ثلاثية «الأب الروحى».
ولأننى التقيت يوم، السبت ٥ ديسمبر، بواحد من أحب السينمائيين إلى قلبى وهو المخرج الكندى الأرمينى أتوم إيجويان، صاحب فيلم «نعيم الحياة الآخرة» The Sweet hereafter، الذى طالما اعتبرته واحدًا من أفضل عشرة أفلام شاهدتها فى حياتى، والذى سبق أن كتبت عنه مقالًا فى هذا المكان منذ عدة أسابيع.
هذه المرة حرصت على التصوير مع إيجويان، متخليًا عن خجلى، أو كبريائى، سامحًا لنفسى بالاستمتاع بأجمل شىء فى حياتى المهنية، وهو مشاهدة أجمل الأفلام والالتقاء بأكبر صناع السينما فى العالم.
ربما أكون قد خسرت الكثير من الأشياء، وربما لم أحقق الكثير فى حياتى، ولكن ما حققته يفوق بكثير جدًا كل أموال ومناصب العالم، لأنه لا يزول أبدًا، ولأنه سيبقى مصدرًا دائمًا للمتعة فى ذاكرتى.