الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ديسمبر وإعلان الحماية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى ١٨ ديسمبر ١٩١٤ أعلنت بريطانيا الحماية على مصر، وكان نص الإعلان كالآتى: «يعلن ناظر الخارجية لدى جلالة ملك بريطانيا العظمى أنه بالنظر إلى حالة الحرب التى سببها عمل تركيا، فقد وضعت مصر تحت حماية جلالته، وأصبحت من الآن فصاعدا من البلاد المشمولة بالحماية البريطانية، وبذلك قد زالت سيادة تركيا على مصر».. وبعد يوم واحد من إعلان الحماية البريطانية على مصر، صدر القرار الثانى بعزل عباس حلمى وكان نصه: «يعلن ناظر الخارجية لدى جلالة ملك بريطانيا العظمى أنه بالنظر لإقدام سمو عباس حلمى باشا خديو مصر إلى الانضمام لأعداء الملك، فقد رأت حكومة جلالته، خلعه من منصب الخديوية، وقد عرض هذا المنصب السامى مع لقب سلطان مصر على سمو الأمير حسين كامل باشا أكبر الأمراء الموجودين من سلالة محمد على فقبله».. وكان عباس آنذاك فى زيارة لتركيا، فبقى فيها بعدما تلقى خبر إقالته من وكالات الأنباء العالمية، بينما تولى حسين كامل الحكم، وهو لمن لا يعرف ابن إسماعيل وشقيق توفيق وفؤاد، وكان يميل إلى الإنجليز، ويدافع عن وجودهم فى مصر، وعندما ولوه الحكم لقبوه بالسلطان، وذلك كيدًا فى السلطان العثمانى حيث كان هذا اللقب يختص به، وكان ذلك كله إبان الحرب العالمية الأولى التى نشبت إثر مقتل ولى عهد النمسا على يد واحد من الصرب، وذلك أثناء زيارته لصربيا فى يونيو ١٩١٤، فأعلنت النمسا الحرب على صربيا التى لم تحمِ ضيفها الكبير، فهبت روسيا لنجدة الصرب، فقررت ألمانيا الوقوف إلى جانب النمسا باعتبارها الحليفة الدائمة لها، وعندئذ قررت فرنسا الوقوف إلى جانب روسيا، ولحقت بها بريطانيا لتقع مصر فى حيص بيص، فهى تابعة للسلطنة العثمانية التركية، وإن كانت هذه التبعية شكلية فقط، لكن يكفى القول بأن شيوخ المنابر كانوا يدعون لخليفة المسلمين التركى فى نهاية خطبة الجمعة، ورغم ذلك كانت مصر واقعة تحت نير الاحتلال الإنجليزى منذ ١٨٨٢، وانتظر البسطاء من أبناء الشعب المصرى الموقف الرسمى للدولة من الحرب العالمية التى اجتاحت أوروبا، وعصفت بها، فإذا بعباس حلمى يذهب إلى تركيا، وإذا بالإنجليز يستغلون ذلك بخلعه، وإعلان الحماية على مصر، ولأن المواطن البسيط كان يمقت الإنجليز، ويتمنى أن يأتى اليوم الذى يشهد فيه استقلال بلاده، فقد راوده حلم عودة عباس بجيش الخلافة، ليخلص مصر من الإنجليز، وبدأ الجميع ابتداء من الأطفال وصولًا إلى الشيوخ والنساء يتمتمون بأنشودة أبدعها الوجد الجمعى، فراحوا يرددون: «الله حى.. عباس جى» والحقيقة أن عباس لم يأت وأن جيش الخلافة لم يتحرك قيد أنملة للدفاع عن مصر، واكتفى بدور المشاهد، وهو يرى دولة من أكبر دول الخلافة وهى تختطف أمام عينيه، وتتحول إلى قاعدة عسكرية بريطانية، حيث تدفقت القوات الإنجليزية على مصر، وتم اتخاذ إجراءات أمنية صارمة مع الوطنيين الذين تم اعتقالهم عشية إعلان الأحكام العرفية فى مصر، ومن الغريب أن بعض المصريين استغلوا فرصة الحرب العالمية، وراحوا يبيعون لمعسكرات الاحتلال كل ما يلزمهم من مواد غذائية وخضروات وملابس وقطع غيار وزجاجات فارغة، وما إلى ذلك حتى امتلأت جيوبهم بأموال الاحتلال فأطلق الناس على هؤلاء لفظ «أغنياء حرب»، ومن المؤلم حقا أن وزيرًا واحدًا فى وزارة حسين رشدى، لم يحتج ولم يقدم استقالته حين أعلنت بريطانيا الحماية على مصر، ولم يندد أحد من المثقفين بهذا، بل صمت الجميع، بينما سخط الشعب المصرى على حسين كامل الذى قبل أن يكون تعيينه بواسطة حكومة الاحتلال، ووصل هذا السخط إلى محاولة اغتياله حين قام محمد خليل، وهو تاجر خردوات من المنصورة بإطلاق النار على موكبه أثناء مروره بشارع عابدين، لكنه لم يصب بشىء، فقررت المحكمة الإنجليزية إعدام الرجل شنقًا، وبالفعل نفذ الإعدام فى شهر إبريل ١٩١٥، وفى الإسكندرية وبعد شهرين من الحادث الأول ألقيت قنبلة على موكب حسين كامل، لكنها لم تنفجر، وهكذا اشتعلت نار الوطنية فى قلوب الشباب الذين استنكروا تولى حسين كامل أمر البلاد، بقرار إنجليزى صدر من وزير خارجيتها، بينما آثرت النخبة الصمت، واعتبر البعض إعلان الحماية عيدا للاستقلال عن تركيا، وفى ١٩١٧ اشتد المرض بالسلطان حسين حتى وافاه الأجل، وعرضت بريطانيا العرش على الأمير كمال الدين حسين، ولكنه رفض للظروف العصيبة التى تمر بالبلاد، ليرتقى أحمد فؤاد العرش فى أكتوبر ١٩١٧ والذى بدأ عهده كما انتهاه بميل كامل للإنجليز، ومن المؤسف أنه بعد شهر واحد من توليه العرش، أعلن بلفور وزير خارجية بريطانيا وعده الشهير والمعروف بوعد بلفور، الذى يؤكد أن بريطانيا ستعمل جاهدة على إنشاء وطن لليهود فى فلسطين، ومع ذلك لم يعلن فؤاد أو غيره من الساسة استنكارهم لهذا الوعد، أما زعماء الحركة الوطنية فقد كانوا يفكرون فى أمر آخر، وهو مصير مصر بعد الحرب، فلقد وضعت الحرب العالمية أوزارها فى عام ١٩١٨ وأصبح للمنتصرين الحق فى إعادة تقسيم البلاد التى ظلت لقرون طويلة تحت السيادة العثمانية، فوضعت إنجلترا وفرنسا خريطة جديدة للشرق الأوسط.