وفى صفوف التجمع كان هناك مفكرون إسلاميون مجددون وليبراليون ويساريون: د. حسن حنفي- الشيخ زين السماك شيخ الطريقة السماكية- والشيخ مصطفى عاصى.. وغيرهم، وفى صفوفهم تألق خليل عبدالكريم بوضوحه وليبراليته الحقة وإصراره على خوض معركة التجديد وعلى مواجهة الإرهاب المتأسلم، مواجهة شجاعة ومباشرة، ونبدأ معه وهو لا يضيع وقتا، فالسطر الأول بعد المقدمة يقول: «لسنا نقول كالدكتور حسن حنفى «احتمينا بالنصوص فدخل اللصوص» ولكن نقول لهم «وسعتم خيمة النصوص فتعمقت هوة التخلف والنكوص». وهكذا يقتحم خليل عبدالكريم معركة «الموقف من النصوص»، ويقول «النصوص مجالها العقيدة والعبادة والأخلاق، فأرادوا لحاجة في نفس يعقوب مدها إلى مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والفنون والآداب والإعلام والتعليم والعلوم الإنسانية بل العلوم التجريبية حتى الطب، فتولد من ذلك الإرهاب والعنف وازدادت التواكلية والقدرية والتسليمية والتفويضية، وظهرت الخرافات والشعوذات والتوهمات وكلها بلا استثناء رفعت شعارات الدين، وخاصمونا، ورققوا عقيدتنا عندما لفتنا أنظارهم إلى أن الإسلام شأنه في ذلك شأن الديانتين الإبراهيميتين اللتين سبقتاه في التاريخ، ميدانه الأصيل المساجد والجوامع والتكايا والخانقاهات والحسينيات والخلاوى وحضرات الصوفية وحلقات الذكر، ذكرنا لهم ذلك منذ خمسة أعوام في كتابنا «الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية» ولكن أخذتهم العزة بادعاء تملك الحقيقة المطلقة فاعتبروا ذلك تهوينا للإسلام وطعنا فيه، مع أن العكس هو الصحيح، إذ إن رسالة الدين الوحيدة والرئيسية هي تخريج المؤمن الصالح، أما الجوانب الأخرى من الحياة فهى موكولة إلى علوم دنيوية بحتة، وسندنا الذي نقطع به حجة المعاندين والمكابرين وهيئة المنتفعين بإخراج الإسلام من تلك الأماكن المبروكة التي ذكرنا هو الحديث النبوى «فما كان من أمر دينكم فإلىّ وما كان من أمر دنياكم فشأنكم به، أنتم أعلم بأمر دنياكم» (أخرجه مسلم في صحيحه وابن ماجه في السنن وأحمد في المسند).
ويمضى أستاذنا خليل عبدالكريم «نحن نؤمن بتاريخية النصوص وبربطها بأسباب ورودها وبالفترة التي ظهرت فيها وبالبيئة التي انبعثت منها، وبالمجتمع الذي ولدت فيه، بل بالظروف الجغرافية التي واكبتها وبالدرجة الحضارية للمخاطبين بها وبمداهم المعرفى وأفقهم الثقافى، مع الوضع في الاعتبار أن النصوص ذاتها ذكرت صراحة أنها تتوجه إلى أمة أميّة» (ص١١).
وهكذا يحاصر خليل عبدالكريم دعاة النظر فقط إلى النص كما هو دون أي إعمال للفكر أو العقل، ولكنه يحيل رؤية المسلم للنص في أيامنا الحالية إلى دراسة كل ملابسات نزوله من أسباب وحضارة وجغرافيا وثقافة ومعرفة وعادات، مع مراعاة أن النص يخاطب أمة أميّة.
ومن ثم فهو يقول صراحة «نحن لا نسلم بقاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب» لأن فيها إهدارا لسبب النزول، وإهداره يحجب المدلول الحقيقى لـ«اللفظ» ذاته ويغيم عليه ويشوش معناه، ومن ثم يجىء الحكم رجراجا مائعا غير منضبط، وهذا أحد أسباب اختلاف الفقهاء وتناقض أحكامهم حتى في أخطر الأمور، فما يراه أحدهم بيعا يجزم آخر أنه ربا.
وقد يفتى فقيه أن فعلا ما هو زنا صريح لكن آخر يفتى أن ذات الفعل نكاح صحيح أو على الأقل نكاح فاسد لا يستوجب إقامة الحد ولا حتى التعزير».
ويمضى خليل عبدالكريم مؤكدا أن علة إنكار أسباب النزول وما تلاها من مبررات هي «من باب الاحتيال الذي يلجأ إليه العديد من الفقهاء» فهو يلقننا أنه لا يمكن فهم النص إلا إذا وضعنا نصب أعيننا «سبب» النزول.
ثم إنه يواصل وبإصرار على محاصرة هذا الصنف من الفقهاء الذين يمسكون بالنص كلفظ لغوى، أو بالدقة قاموسى، ويطبقونه على غير ما شرع له وينساقون فيجعلون من فهمهم اللغوى للنص قيدا على العقل وعلى المصلحة، وينسون كل ما تعارف عليه العرب من تفسير وتأويل وجناس وقياس..إلخ، والمثير للدهشة كما يقول خليل عبدالكريم أن النصوص ذاتها أدركت خطورة هذا المنحى القاموسى المجرد «فقررت مبدأ النسخ بمعنى أن النص إذا كان قد نزل في وقت معين وظرف معين ليفى بغرض معين ولتحقيق حاجة خاصة محددة ثم تغيرت الظروف والاحتياجات واتضح أن الاستمرار في تطبيقه فيه عسر ومشقة على المسلمين- فينزل نص جديد ينسخ النص السابق ويأتى بآخر فيه تيسير وفرج.
وهكذا فإذا كانت النصوص نفسها قد نسخ بعضها بعضا خلال عشرة أعوام أو يزيد قليلا، خلال عمر تجربة المدنية لاختلاف أوضاع المسلمين في المدينة عما كان، عليه في مكة.
بما دفع كتاب المصحف إلى ذكر السورة إن كانت مكية أو مدنية، فكيف يمكن لنا أن نستسيغ الآن قول البعض برفض النسخ في النصوص، وأنه لا ناسخ ولا منسوخ، متجاهلين حقائق التاريخ وأوامر القرآن، ومحاولين تلفيق وجهة نظر تصمم على الفهم القاموسى الثابت والدائم والجامد مهما تغيرت الظروف والأحوال».
وبهذا يفتح الاستاذ خليل عبدالكريم بابا جديدا للمواجهة هو موضوع الناسخ والمنسوخ.
فلنواصل معه.
ويمضى أستاذنا خليل عبدالكريم «نحن نؤمن بتاريخية النصوص وبربطها بأسباب ورودها وبالفترة التي ظهرت فيها وبالبيئة التي انبعثت منها، وبالمجتمع الذي ولدت فيه، بل بالظروف الجغرافية التي واكبتها وبالدرجة الحضارية للمخاطبين بها وبمداهم المعرفى وأفقهم الثقافى، مع الوضع في الاعتبار أن النصوص ذاتها ذكرت صراحة أنها تتوجه إلى أمة أميّة» (ص١١).
وهكذا يحاصر خليل عبدالكريم دعاة النظر فقط إلى النص كما هو دون أي إعمال للفكر أو العقل، ولكنه يحيل رؤية المسلم للنص في أيامنا الحالية إلى دراسة كل ملابسات نزوله من أسباب وحضارة وجغرافيا وثقافة ومعرفة وعادات، مع مراعاة أن النص يخاطب أمة أميّة.
ومن ثم فهو يقول صراحة «نحن لا نسلم بقاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب» لأن فيها إهدارا لسبب النزول، وإهداره يحجب المدلول الحقيقى لـ«اللفظ» ذاته ويغيم عليه ويشوش معناه، ومن ثم يجىء الحكم رجراجا مائعا غير منضبط، وهذا أحد أسباب اختلاف الفقهاء وتناقض أحكامهم حتى في أخطر الأمور، فما يراه أحدهم بيعا يجزم آخر أنه ربا.
وقد يفتى فقيه أن فعلا ما هو زنا صريح لكن آخر يفتى أن ذات الفعل نكاح صحيح أو على الأقل نكاح فاسد لا يستوجب إقامة الحد ولا حتى التعزير».
ويمضى خليل عبدالكريم مؤكدا أن علة إنكار أسباب النزول وما تلاها من مبررات هي «من باب الاحتيال الذي يلجأ إليه العديد من الفقهاء» فهو يلقننا أنه لا يمكن فهم النص إلا إذا وضعنا نصب أعيننا «سبب» النزول.
ثم إنه يواصل وبإصرار على محاصرة هذا الصنف من الفقهاء الذين يمسكون بالنص كلفظ لغوى، أو بالدقة قاموسى، ويطبقونه على غير ما شرع له وينساقون فيجعلون من فهمهم اللغوى للنص قيدا على العقل وعلى المصلحة، وينسون كل ما تعارف عليه العرب من تفسير وتأويل وجناس وقياس..إلخ، والمثير للدهشة كما يقول خليل عبدالكريم أن النصوص ذاتها أدركت خطورة هذا المنحى القاموسى المجرد «فقررت مبدأ النسخ بمعنى أن النص إذا كان قد نزل في وقت معين وظرف معين ليفى بغرض معين ولتحقيق حاجة خاصة محددة ثم تغيرت الظروف والاحتياجات واتضح أن الاستمرار في تطبيقه فيه عسر ومشقة على المسلمين- فينزل نص جديد ينسخ النص السابق ويأتى بآخر فيه تيسير وفرج.
وهكذا فإذا كانت النصوص نفسها قد نسخ بعضها بعضا خلال عشرة أعوام أو يزيد قليلا، خلال عمر تجربة المدنية لاختلاف أوضاع المسلمين في المدينة عما كان، عليه في مكة.
بما دفع كتاب المصحف إلى ذكر السورة إن كانت مكية أو مدنية، فكيف يمكن لنا أن نستسيغ الآن قول البعض برفض النسخ في النصوص، وأنه لا ناسخ ولا منسوخ، متجاهلين حقائق التاريخ وأوامر القرآن، ومحاولين تلفيق وجهة نظر تصمم على الفهم القاموسى الثابت والدائم والجامد مهما تغيرت الظروف والأحوال».
وبهذا يفتح الاستاذ خليل عبدالكريم بابا جديدا للمواجهة هو موضوع الناسخ والمنسوخ.
فلنواصل معه.