منذ أيام فوجئت باتصال تليفونى من شاب من أهالى منطقة دار السلام، لم أكن أعرفه ولم يسبق له أن التقانى فى مقهى أو ملهى أو محطة قطار، كل ما بيننا أننا مصريان وسلك تليفونى يوصل بين صرخاته وأذني، شاب بسيط يتكلم بعفوية عن والده الذى تعدى السبعين وليس فى جيبه جنيه واحد من رحلة عمل طالت، وسنين مرهقة تركت على جسده كل جبال التعب، يحكى الشاب بسرعة قطار مجرى وكأنه يريد أن يختطف والده الذى خرج على المعاش من بين أيادى عزرائيل.
قال إنهم ذهبوا بالرجل المريض إلى مستشفى رابعة العدوية فى مدينة نصر، هو أحد المستشفيات التى تم التحفظ عليها من بين أملاك الإخوان، وتديره وزارة الصحة، طلبوا منهم ٢٠٠٠ جنيه لحظة الدخول، ثم فوجئ بأنهم يطلبون كل يوم مثلها، سبعة أيام وهو يجمع المبلغ من الجيران والأهل والمعارف حتى لم يعد هناك أحد، هو لا يعرف كيف يتصرف، والده يحتاج لسرير فى العناية المركزة والمستشفى يطالبه بنفس المبلغ كل يوم، أو فليرحل إلى الشارع، كل ما يطلبه هو علاج والده.
كان وأن طلبت مكتب معالى وزير الصحة، وبطريقة مهذبة أجابنى المتحدث الرسمى باسم الوزارة د.خالد مجاهد، وطلب منى أن يقوم أهل المريض بطلب رقم الطوارئ وأن يقوم الطبيب المعالج بإبلاغهم بالحالة، وكان أن فعلنا ما طلب «المتحدث الرسمي».. ومرت ساعة ولا شيء يحدث، فكان أن طلبت من زميل صحفى أن يتحدث إلى رئيس المؤسسة العلاجية، وطلب زميل صحفى ثالث أحد الأطباء الكبار بمستشفى عين شمس التخصصي، وكلاهما أرشدنا عن سرير خال فى أحد المسشتفيات التابعة للوزارة، بالتحديد مستشفى الدمرداش، والمستشفى القبطى برمسيس، وبناء عليه، أبلغنا أسرة المريض بذلك، وأنهم يستطيعون التوجه لأقرب واحد من هذه المستشفيات.
وتم إنهاء إجراءات خروج المريض من المستشفى الإخواني، وفيما هم فى الطريق عاودت الاتصال بالدكتور خالد مجاهد، الذى أخبرنى أنهم يبحثون عن سرير خال وأنه سيتابعنى.. فى المنتصف شكا لى من تعامل بعض الإعلاميين وطريقة تعاملهم مع الوزارة، وللأمانة كان الرجل مهذبا جدا، وفجأة اتصل الشاب ابن الرجل المريض ليبلغنى أن المستشفى القبطى يرفض استقبال والده، لأن السرير تم تسكينه، فعدنا للمستشفى الآخر لنجد السرير الآخر قد تم تسكينه أيضا حسب إدارة المستشفي، حضرت مجددا للدكتور خالد، الذى سألنى وماذا قالت الطوارئ، قلت نقلا عن ابن المريض: «هنرد عليكم خلال ٤٨ ساعة»، طبعا لم أتمالك نفسي، وكانت الساعة قد بلغت الرابعة فجرا، الرجل الآن فى الشارع، والطوارئ، لاحظ أنها الطوارئ سترد خلال ٤٨ ساعة، والحالة متدهورة، وكأننى دخلت بالرجل إلى القبر، وحتى ساعات الصبح ونحن فى هذه المهزلة، وطبعا تركنا المتحدث الرسمى نضرب أخماسا فى أسداس!! فى الصباح تمكنا من إيجاد سرير، لكن المفاجأة، أن رئيس المؤسسة العلاجية الذى قال لنا إنه لن يدفع.. موظفوه يطلبون من الرجل أربعة آلاف جنيه فى اليوم، أو حد يعمله قرار علاج، طيب مين اللى يعمله إذا كانت الوزارة قد قررت أنه لا تعامل ولا وساطة فى قرارات العلاج، وأن المريض بنفسه يجب أن يذهب إلى المجالس الطبية، المهم أن أولاد الحلال تدخلوا وتصرفوا وبعد سبعة أيام من الهرتلة، وفيما كان معالى وزير الصحة مشغولا بأمر دخول الصحفيين من عدمه إلى مقر ديوان وزارته، وغاضبا من رغبة نواب الشعب الجدد فى مقابلته حتى إنه وللمرة الأولى فى تاريخ الوزارة يهدد النواب بوقفة احتجاجية على سلم الوزارة!! فى الوقت الذى جاء سيادته بعشرات من المستشارين لإدارة ملفات هناك من يديرها فعلا ويتعاطى آلاف الجنيهات، أفتى بأنه لن يقابل من الصحفيين أقل من رئيس تحرير!! فى ذلك الوقت كان المريض الذى أتحدث عنه على موعد مع رحمة الله، وأظن أن رحمة الله لا تحتاج إلى موعد سابق من السيد الوزير، لكن ماذا يفعل آلاف الناس ممن يتصلون بنا، وممن لا يعرفون حتى أرقام هواتفنا، هؤلاء الذين يرد عليهم العاملون فى الطوارئ على وعد بالرد خلال ٤٨ ساعة، هل ينتظرون هم الآخرون موعدا مع رحمة الله؟! أغلب الظن أن ذلك ما سيحدث، لأن مقابلة رحمة الله أسهل بكثير من مقابلة معالى الوزير الذى لا يقبل بمقابلة من هم أقل من رئيس تحرير.