الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

محرقة الشرعية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أفكر مليا في المشهد المصري كله. أحزن تارة، أكاد أبكى أخرى، يغمرني اليأس أحيانًا، يجتاحني الأمل في بعض الأوقات، أرى أن القاسم المشترك للحياة في مصر هو: “,”الفوضى، والعشوائية“,” في كل شيء.
نوبات الإقصاء المتبادل تصيب مصر بالصرع السياسي، لا أحد يطيق أن يحكم بجوار الآخر، ويبدو أن مصر هي بلد الإقصاء المتبادل، شعار كل فصيل سياسي هو شعار الألتراس «النصر الكامل لفريقي والهزيمة الكاملة للمنافسين».
كلما حكم مصر فصيل سياسي ألغى معارضيه تماما من الحياة السياسية وكأن شعار الجميع “,” كلما حكمت أمة أقصت أختها“,”.
مشهد العنف والدماء هو السيد في مصر.. تراه في سيناء وفي القاهرة وفي الدلتا وفي كل مكان، خلق الله الدماء باللون الأحمر ليرتدع الإنسان عن سفكها، ولكن دون جدوى، ترى الدماء تنزف من الإسلاميين تارة ومن الشرطة أو الجيش تارة أخرى، ومن العوام مرات ومرات.
وكأن الأصل هو إراقة الدماء بعكس كل الشرائع السماوية والأرضية التي تقول “,”أن الأصل هو عصمة الدماء“,”.
تهدر الأموال الطائلة في الصراع السياسي، يا ويل مصر من المال السياسي الحرام، لقد أنفق الفرقاء السياسيون، المليارات والمليارات من أجل كراسي السلطة، ولو أنفقوا نصف هذه المبالغ على التعليم والصحة والتنمية في مصر لكان لنا شأن آخر، وأنفقت الحركة الإسلامية أيضا المليارات على الانتخابات، والمليونيات، والاعتصامات، والمظاهرات، ولو أنفق نصفها على رعاية اليتيم، والفقير، والأرملة، والمسكين، وعلى هداية الخلائق. “,”لكنا إلى الله اٌقرب ومن السجون أبعد“,”.
إن أزمة الحركة الإسلامية الكبرى أنها تعتبر أن معركة إعادة الشرعية التي تخوضها هي معركة الأمة كلها، ولا بد أن تجيش الأمة كلها من أجلها ولا مانع لدفع أية ضريبة - ولو باهظة - من أجل استعادتها، دون أن تدرك أن السلطة هي جزء يسير من المشروع الإسلامي، وأنها ليست أصله، فهو مشروع هداية ورشاد وصلاح وحفظ للدماء والأعراض والأموال ومشروع للعمران في المقام الأول.
والسلطة جزء من كل، ولا يطغى الجزء على الكل، ولا يلغي الجزء الكل، أو يهدمه، والسلطة وسيلة وليست غاية، ولا يمكن أن تتحول في يوم من الأيام إلى غاية تبذل من أجلها آلاف المهج البريئة وتسال من أجلها الدماء الزكية ويتمزق الوطن كله من أجلها، حتى لو ظلمت وبخس حقك فلا تحاول أن تعيد هذا الحق بمصيبة أو كارثة أو مفسدة أكبر من مصلحة الحق الذي ضاع منك، طبقا لفقه الأولويات وفقه المصالح والمفاسد.
والكارثة أنه بعد تدفق هذه الدماء الغالية من طرفي الصراع لم تعد الشرعية، ولم تحقن الدماء، ولم ينعم الوطن بالخير.
والشرعية غير الشريعة. وحتى لو كانت جزء من الشريعة فهي لا تستحق كل هذه الدماء، وعلينا أن ندرك أن إخفاق بعض الإسلاميين في تجربة سياسية لا يمثل إخفاقًا للإسلام ولا نهاية للكون، ولا نهاية للمشروع الإسلامي.
لقد ساقت الحركة الإسلامية أبناءها في محرقة مروعة في الشوارع والميادين وظن الشباب الطاهر أن غياب د: مرسي، عن الحكم سيقضي على الإسلام نفسه، فدخلوا معركة على أنها المعركة الفاصلة في التاريخ.. وكأنها معركة الإسلام المصيرية الأولى والأخيرة.
لقد تحول الصراع السياسي الآن في عقل الأكثرية إلى صراع ديني أيدلوجي. صراع كفر وإيمان. حق وباطل. مع أن الصراعات السياسية لا يمكن أن تتحول من ظني إلى قطعي ومن مختلف عليه إلى متفق عليه.. ومن سياسي متغير إلى عقائدي ثابت.
لقد انقلب الجيش على الملك فاروق، فغادر البلاد في صمت حقنا للدماء مع إدراكه وأنصاره أنه صاحب الشرعية، ولكنه رأى أن الدماء أغلى وأعظم من كرسيه.
لقد سيق الجميع إلى المحرقة من أجل “,”كرسي ممزقِ واهٍ وفانٍ“,” دون أن يتبصر الفريقان أنهم دفعوا ثمنًا غاليًا لـ“,”سَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إذا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا“,”