السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

«السلطان» الحائر..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن رجب أردوغان، رئيس الجمهورية التركية الأتاتوركية، يعلم وهو ينهض بالليرة التركية التي سجلت ذات يوم في سوق الصرف مائة وثمانين ألفا مقابل الدولار الأمريكى الواحد، أنه سيرى نفسه بأم العين يهان على مدى اليوم أمام شعبه ومريديه من الإخوان الذين يزعمون أنهم مسلمون، بل إنه يقف عاجزا عن الرد من السخرية السوداء منه، وهو المعروف عنه سلاطة اللسان منذ نشأته في مدينة إسطنبول ولعل بيعه البطيخ والسميط في مرحلتى الابتدائية والإعدادية كانا وراء السلاطة والبذاءة اللتين تميزان شراسته الواضحة رغم أنه كان يخبئها وراء قناع الوداعة والطيبة، وكان أردوغان لاعب كرة قدم شبه محترف في نادي قاسم باشا ١٩٨٢م، واعتاد على السب المتبادل بينه وبين الجماهير المنافسة، وكان سبب عجزه هذه المرة أنه اصطدم بحائط صلد يتميز بالبرود الشديد، بعد أن وقع في شر أعماله بإسقاطه القاذفة الروسية «سوخوى ٢٤» والغدر بها، خصوصًا أن مهمتها هي «قذف» القنابل على الأهداف الثابتة وليست مقاتلة أي غير مسلحة بصواريخ جو/ جو وغير مهيأة أصلًا للدفاع عن نفسها وأن ذلك موكول للطائرتين المقاتلتين الاعتراضيتين اللتين تصاحبانها عادًة، ولكن هذه المرة أقلعت السوخوى بدون أي حراسة مطمئنة إلى أن الأجواء الحدودية صديقة، وهذا ما جعل الرئيس الروسى يصف الحادث بأنه «طعنة في الظهر» ثم يعلن حزمة قرارات فورية بوقف الأنشطة المشتركة في السياحة الروسية وفى استيراد السلع الغذائية والفاكهة من تركيا، وهذا يعنى ضرب عصب مصالح اقتصادية كانت تدر على الأتراك أكثر من عشرة مليارات دولار سنويًا، ثم انتظر فلاديمير بوتين إعلان اعتذار رسمى من أنقرة لكى يعيد النظر في القرارات الموجعة، وهو ما وضع أردوغان في مأزق يمس مصداقيته أمام شعبه ثم حلفائه في «الأطلنطى» فراوغ ولم يعتذر مما دفع بوتين إلى تشديد الإجراءات الأمنية على الرحلات التركية ثم رفض اللقاء به في قمة المناخ في العاصمة الموجوعة باريس، تلا ذلك اتهامه العلنى لأردوغان بسرقة مقدرات دولة مجاورة وتهديد حدودها ووجودها ذاته عبر سماحه بممرات آمنة عبر أراضيه لعشرات الآلاف من الإرهابيين وتسليحهم بأحدث الأعتدة الحربية متزامنا مع حرب دبلوماسية شرسة ضد الرئيس السورى بشار الأسد، ثم «أكد» أنه لا يسعى لأن يقدم أردوغان استقالته لأن ذلك شأن الشعب التركى وحده، بعدها بدأ سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسى حملة «إذكاء النار في الرماد» في اتجاه الجارة اللدود اليونان التي كانت أرضًا للإمبراطورية البيزنطية وكانت عاصمتها القسطنطينية التي تحولت بعد احتلال الأتراك العثمانيين عام ١٤٥٣م، إلى إسطنبول وما زالت، أي أن العداء بينهما تاريخى، وبدأ لافروف يقلب في دفاتر الأيام السوداء للنظام التركى العثمانى، فبدأ الإعلام الروسى يتحدث بشكل موسع عن محنة الأرمن التي يحاول الأتراك إزالتها من تاريخهم الدموى، والتي تم تنفيذها من خلال المجازر وعمليات الترحيل، والترحيل القسرى والتي يقدّر الباحثون أن أعداد ضحاياها الأرمن تتجاوز أكثر من مليون ونصف المليون نسمة.. والعرض متواصل إلى إشعار آخر رغم الاستفزازات اليومية التي يمارسها بوتين على «السلطان» الحائر. فأردوغان «رأى» فيما يراه النائم أن السلطنة العثمانية التي توفاها الله عام ١٩٢٢ بمرض الاضمحلال والتلاشى، عادت فجأة للحياة، وأن السلاطين التاريخيين لها بدءا من «محمد الفاتح» الدموى الذي أباح القسطنطينية لجنوده ليعيثوا فيها قتلًا واغتصابًا وفظاعات، ومرورًا بسليمان القانونى الذي شوه تاريخه الناصع بمسلسل بذيء وانتهاء بعبد الحميد الذي شيع السلطنة بيديه الكريمتين لمثواها الأخير في أرشيف التاريخ، قد اجتمعوا في قصر دولم بخشه مقر «العلمانى» مصطفى كمال الذي منحه الأتراك بنوتهم بلقب «أتاتورك» أي أبوالأتراك، ليقلدوا أردوغان تاج السلطنة الحديثة واستعرضوا معه «استرداد» البلاد الإسلامية التي استردت حريتها من «الأستانة» وعلى رأسها مصر درة العقد وتاج العروس، وخصوصا أن إخوان محمد بديع تعهدوا له بتسليمها تسليم «أهالي» إضافة إلى تسلم الشام «على البلاطة» بعد تدميره بالكامل، وهلم جرا لبقية البلدان والأصقاع.
لكن الذي لم يره السلطان «رجب» أن حساباته الغبية كانت أضيق من ثقب إبرة، ولم يحسب للدب القطبى حسابًا بعد أن هيجه وأثار حفيظته وأطلق جام غضبه عليه، وهو الآن أي «الدب» يستجمع قواه المسترخية في حياة الدعة ليلتهمه دفعة واحدة وهو ما أصاب سلطان السلطنة بفزع غير مسبوق، فارتبكت كل الحسابات وتداخلت، بما لا يشير لخير كان ينتظر، ولشر لم يكن في حسبانه، وها هي الأيام تمر مريرة ثقيلة عليه وهو يرى الدب القطبى يُكشر عن أنيابه القاتلة.. ويقترب ويقترب ويقترب..