كُلُنا داعشيون لا أستثنى أحدًا...
قولوا لى كيف تنهض أُمة تعتبر الإبداع تجديفًا، والأدب جُرمًا، والفن خروجاً عن القانون والشرع؟
كيف تتقدم شعوب مازالت ترى أن المنع والمصادرة والملاحقة الأمنية هى الحلول المُثلى لتصحيح مسار الكتابة؟ كيف نحترم حكومات تجتمع وتحتشد ويتجادل أفرادها لبحث سُبل مواجهة مقال أو قصيدة؟ تصوروا هُناك شاعر فلسطينى ينتظر حُكما بالموت لأن شخصا ما قال إن قصائده تحمل شبهة إلحاد. وهُناك تهديدات بالقتل لممثلين مغاربة لأنهم قدموا فيلما يُحاكى قبائح رأوها فى مُجتمعهم بعد أن مُنع الفيلم فى كل دولة. وهُناك كاتب مصرى تم تحويله للنيابة العامة لأنه كتب رواية اعتبرها مُحقق خادشة للحياء. وهُناك مُدونون عرب تلاحقهم قوات الأمن لأنهم يقولون ما لا يُرضى أنظمتهم وحكوماتهم. وهُناك كثيرون وُلدت لديهم الرقابة الذاتية فحجبوا ما كتبوا خوفًا من التأويل أو التحوير وأخلدوا إلى الصمت.
المُبدعون ملعونون إلا مَن أرضى القطيع أو السلطان. الذين يكتبون ليرضوا الناس لا تطاردهم المقصلة أو تلاحقهم الاتهامات الجاهزة، فأولئك عنها مُبعدون. أما الذين لا يلتفتون يمينا أو يسارا، ولا يتحسسون خطواتهم، ولا يعيرون انتباها لأصحاب اللحى وحملة صكوك الرضا فهم أكباش الفداء لأنظمة وحكومات مازالت تتمسح فى صبغات وعمائم دينية كريهة. إننا مُقبلون جميعا على معركة طويلة وعنيفة مع الإرهاب، ولا سبيل لنا سوى الاعتصام بالحضارة والتشبث بالمدنية. فى زمن القُبح الداعشى لا نجاة لنا سوى بالإبداع، ولا خلاص دون حرية حقيقية. الكلمة لا يجب وئدها باسم العُرف أو التقاليد أو المُعتقد، ولا راد لها سوى كلمة أخرى.
إن الفن وحده هو الذى يُمكنه أن يواجه العنف. الكلمة هى أقوى رد على الرصاصة، والقصيدة هى أفضل دحض للبداوة، والإبداع هو أجمل تعقيب على موجات التكفير. أما إخضاع الفن لأحكام القبائل وتصورات العشائر ولأفهام الشيوخ فهو تأييد مُطلق للإرهاب الداعشى ونفاق رخيص لأولئك المتطرفين. لا يصح أن يبقى محمود درويش «أعلى من الشعراء شنقًا» ولا يجوز أن يظل نزار قبانى «ممنوعا فى كُل مكان» ولا يُقبل أن يستمر الشاعر أحمد مطر «مُتهما» بخدش حياء النظام. الفن هو الرد الأمثل لعواصف القبح العاتية، وجربوا أن تقرأوا معى إبداع الشاعر الصديق عماد أبوصالح لتعرفوا ذلك. يقول المبدع الجميل: تقول خوذة: «أنا إصيص زهور». تقول دبابة: «أنا إوزة، لى عنق طويل، وعجلاتى بيضي». تقول رصاصة: «لى سن مدببة، لو غمسنى الجندى فى بقعة دم، سيرسم لوحة ويصبح فنانًا».
تقول طائرة: «آه. حين أمر فوق شجرة. أريد أن أكسّر الأوامر، وأنام فى عش مع العصافير». تقول بندقية: «لو تقلبوننى على فمى أصلح عكازًا للعجائز». يقول خندق: «أمطرى يا سماء لأتحول نهرًا». تقول أكياس الرمل: «أنا مشروع بيت صغير». نقول لجثة: «لا تحزنى يا أختى، لن نتركك للدود. طلبة الطب سيشرّحونك ويعالجون آلام المرضى. أنت أيضاً لك دور فى رد الروح للحياة». تقول عربة مصفّحة: «لا تكونوا عنصريين. ألأن لونها أبيض تفضّلون عربات الإسعاف فى نقل الجرحى؟». تخجل الحرب من نفسها وتقول: أنا، أصلا، كنت الحب. دققوا جيدًا فى حروفى. الكراهية قطعت جسمى. اكتبونى بدون راء».
والله أعلم.