السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ملعقة السعادة وسنجاب التعاسة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كثير من الناس هذه الأيام يلقون بكثير من اللوم على الدولة فى عدم استطاعتها أن تمنحهم كل ما يريدون من حياة كريمة حسب ما يعتقدون وأنهم فى كل أحوالهم يملكون من التعاسة ما يفوق تعاسة أى شعب من شعوب العالم.
نرى الناس تنظر دائما للجزء الخالى من الكوب فلا يستطيعون أن يميزوا الإنجازات من التقصير.
لا نرى ما يحاك من مؤامرات من كل اتجاه من الداخل والخارج ولا نأبه إلا فقط لمتطلباتنا الشخصية.
موظف الدولة مواطن فى الأساس ولكنه لا يرى غير نفسه فقط ولهذا ينتشر الفساد.
المواطن العادى لا ينظر للمصلحة العامة ولكنه ينظر فقط لما يمتلكه فى يده فلا يشعر أبدا بأى رضا ويطلب دائما المزيد.. فالكل مقصر فى حقه إلا هو الظروف وحدها تتملكه وتقيده وتعرقله.
فأين نجد السعادة والرضا؟!
يحكى أن أحد التجار أرسل ابنه لكى يتعلم «ســـــــر السعـــــادة» لدى أحكم رجل فى العالم.. مشى الفتى أربعين يوما حتى وصل إلى قصر جميل على قمة جبل.. وفيه يسكن الحكيم الذى يسعى إليه.. وعندما وصل وجد فى قصر الحكيم جمعاً كبيرا من الناس.. انتظر الشاب ساعتين لحين دوره.. أنصت الحكيم بانتباه إلى الشاب، ثم قال له: الوقت لا يتسع الآن وطلب منه أن يقوم بجولة داخل القصر.
ويعود لمقابلته بعد ساعتين.. وأضاف الحكيم وهو يقدم للفتى ملعقة صغيرة فيها نقطتان من الزيت: امسك بهذه الملعقة فى يدك طوال جولتك وحاذر أن ينسكب منها الزيت.
أخذ الفتى يصعد سلالم القصر ويهبط مثبتاً عينيه على الملعقة..
ثم رجع لمقابلة الحكيم الذى سأله: هل رأيت السجاد الفارسى فى
غرفة الطعام؟.. الحديقة الجميلة؟.. وهل استوقفتك المجلدات الجميلة
فى مكتبتى؟.. ارتبك الفتى واعترف له بأنه لم ير شيئا.. فقد كان همه الأول ألا يسكب نقطتى الزيت من الملعقة.. فقال الحكيم: ارجع وتعرف على معالم القصر.. فلا يمكنك أن تعتمد على شخص لا يعرف البيت الذى يسكن فيه.
عاد الفتى يتجول فى القصر منتبها إلى الروائع الفنية المعلقة على
الجدران.. شاهد الحديقة والزهور الجميلة.. وعندما رجع إلى الحكيم قص عليه بالتفصيل ما رأى.
فسأله الحكيم: ولكن أين قطرتى الزيت اللتان عهدت بهما إليك؟.. نظر الفتى إلى الملعقة فلاحظ أنهما انسكبتا.
فقال له الحكيم: تلك هى النصيحة التى أستطيع أن أسديها إليك.. سر السعادة: «هو أن ترى روائع الدنيا وتستمتع بها دون أن تسكب أبدا قطرتي الزيت».
فهم الفتى مغزى القصة فالسعادة هى حاصل ضرب التوازن بين الأشياء
وقطرتى الزيت هما الستر والصحة.. فهما التوليفة الناجحة ضد التعاسة.
يقول إدوارد دى بونو: «أفضل تعريف للتعاسة هو أنها تمثل الفجوة بين
قدراتنا وتوقعاتنا».
إننا نعيش فى هذه الحياة بعقلية السنجاب.. فالسناجب تفتقر إلى
القدرة على التنظيم رغم نشاطها وحيويتها فهى تقضى عمرها فى قطف
وتخزين ثمار البندق بكميات أكبر بكثير من قدر حاجتها.
فإلى متى نبقى نجرى لاهثين نجمع ونجمع ولا نكتفى ولا نضع سقفا
لطموحاتنا يتناسب مع قدراتنا؟
إننا نملك أروع النِعم، فهى قريبة هنا فى أيدينا، نستطيع معها أن نعيش
أجمل اللحظات مع أحبابنا ومع الكون من حولنا.
إنكم سعداء ولكن لا تدرون.. سعداء إن عرفتم قدر النعم التى تستمتعون بها، سعداء إن عرفتم نفوسكم وانتفعتم بالمخزون من قواها، سعداء إن سددتم آذانكم عن صوت الديك ولم تطلبوا المستحيل فتحاولوا سد فمه عنكم، سعداء إن طلبتم السعادة من أنفسكم لا ممن حولكم.