اختلفت الآراء واختلطت الأوراق بسبب ذهاب قداسة البابا تواضرس إلى القدس لحضور جنازة الأنبا إبراهام مطران الكرسى الأورشليمى (القدس) ليؤدى واجبا إنسانيا وروحانيا وتاريخيا تجاه قيادة كنسية تعتبر الأقدم بين مطارنة الكنيسة بحكم منصبه وبصرف النظر عن ترتيبه الفعلى بين وسط المطارنة والأساقفة، وكانت له مكانة عليا فى القدس، حيث أحبه الجميع مسيحيين ومسلمين.
أما عن الاختلاف فى الرأى عما إذا كانت زيارة البابا ستعنى التخلى عن مبدأ أقرته الكنيسة منذ البابا الراحل كيرلس السادس بحظر سفر الأقباط إلى القدس قبل تحريرها من الاحتلال الإسرائيلى، كما أقر المجمع المقدس فى ٢٦ مارس ١٩٨٠ بعدم التصريح لرعايا الكنيسة القبطية الأرذوكسية بالسفر إلى القدس لحين استعادة الكنيسة رسميا لدير السلطان بالقدس.
ولكن قداسة البابا تواضروس أخذ هذا القرار الجرىء بإعطاء الأولوية لأداء هذا الواجب الروحانى تجاه قيمة وقامة يمثلها الأنبا إبراهام مطران الكرسى الأورشليمى بحضوره قداس رحيله.
أما عن قصة دير السلطان بالقدس الذى سمحت السلطات الإسرائيلية بالتنازل عنه للأقباط الأحباش بعد أن سلم صلاح الدين الأيوبى دير السلطان لأقباط مصر، وكانت إسرائيل تريد مجاملة الأقباط الأحباش لتشجيعهم على الهجرة لإسرائيل، وقد رفعت الكنيسة المصرية أكثر من ١٠٠ دعوى قضائية أمام المحكمة العليا الإسرائيلية وكسبتها جميعا ضد الحكومة الإسرائيلية التى تحدت تنفيذ كل الأحكام التى صدرت بحقها فى استعادة «دير السلطان».
وأذكر أننى حينما زرت إسرائيل ضمن وفد من رجال الأعمال برئاسة الراحل العملاق سعيد الطويل واستقبل شيمون بريز الوفد بكل الترحيب، ووجه عدد كبير من رجال الأعمال أسئلة إلى شيمون بيريز عن تعنت إسرائيل برفضها إعادة دير السلطان إلى الكنيسة القبطية المصرية، ثم وجه بيريز سؤالا مباشرا لى قائلا: لم أسمع منك أى مداخلة خاصة بهذا الموضوع، فقلت له أريد أن تسمع أن لى تعليقا واحدا وهو أن تعلم أن كل كلمات زملائى من وفد رجال الأعمال المصريين جاءت من المسلمين وهذا أمامك دليل كبير على أن موضوع «دير السلطان» هو موضوع قومى بالنسبة للمصريين جميعا. ورد على بيريز بقوله وعلى طريقته: «الرسالة وصلت يا دكتور السمان ..!!»، وقال الأنبا موسى أسقف الشباب، الذى رافق قداسة البابا تواضروس: «ها هى أورشليم تبكى مطرانها المحبوب الأنبا إبراهام الذى قدم للكنيسة الكثير».
وأقول بصراحة لا مجال للجدل الدائر حول زيارة قداسة البابا تواضروس إلى القدس، فهو رجل وطنى ومواقفه معروفة منذ أن اعتلى مكانه على رأس الكنيسة القبطية المصرية ورجاء للجميع «لا مزايدة على موقف قيادة تعرف ما تعمل وما تقول وتحدد التزاماتها تجاه واجباتها نحو القيم».
ومن الأمثلة المرفوضة على مستوى المزايدة موقف «حزب مصر القوية» واعتباره زيارة البابا تواضروس للقدس خرقا للإجماع الشعبى على رفض كل مظاهر التطبيع وقبول الأمر الواقع منذ أن اغتصبت أرض الفلسطينيين..».
وبمناسبة الكلام عن الفلسطينيين أقول من يتجرأ على المزايدة على كلمات أبومازن وهو يرحب بزيارة البابا تواضروس على لسان مستشاره للشئون المسيحية زياد البندك «أن زيارة المسيحيين للسجين هى تضامن معه وليست تطبيعا مع السجان» وطالب وزير شئون القدس عدنان الحسينى بـ«ألا يجب أن تبقى القدس معزولة عن محبيها وأهلها والداعمين لقضيتنا» وأضاف أن «الأنبا إبراهام الراحل يستحق أن يأتى لجنازته أكبر شخصية دينية فى الكنيسة القبطية».
وأخيرا أقول «تحية إكبار وإجلال لقداسة البابا تواضروس لمبادرته الأخلاقية والروحانية وتمسكه باحترام القيم العالية».