فرحنا جميعا باكتمال «خارطة الطريق»، وذلك بعد انتخاب أعضاء مجلس النواب، مما يعنى أننا أصبحنا نملك برلمانا يمكن مناقشة قضايا الوطن والمواطنين فيه.. ووفاء بالوعد الذى قطعناه على أنفسنا، ورفضت قيادتنا الوطنية الدعوات التى كانت تنادى بتأجيله إلى أجل غير مسمى لحين اتضاح الظروف، والأوضاع السياسية، والإعداد الجيد له، نظرا لتدهور وسوء الأحوال الحزبية، حيث تغلبت الأهواء والأغراض الذاتية لقادة هذه الأحزاب، وتحكمت فيها الشللية، ولغة الفهلوة فارتضت المكوث خلف جدران مقراتها، وعدم الوجود بالشارع لخدمة الجماهير لتكسب ودها، وتتحول إلى أحزاب جماهيرية حقا، قامت قيادتنا الوطنية بعد كل ذلك بتحديد ميعاد لإجراء انتخابات مجلس النواب، ووفرت جميع الإمكانيات لحماية الناخبين والمرشحين من الأفراد أو الأحزاب والتكتلات، ووفرت ما يلزم لهذه الحماية، سواء من جيشنا البطل أو قوات الشرطة، وتم فتح باب الترشح للجميع، ولم يمنع أحد من الترشح والانتخابات.
وتم توفير الإشراف القضائى من قضاة عدل لم يهابوا الموت فاستشهد البعض منهم.
وتم السماح لكل المنظمات التى رغبت فى مراقبة العملية الانتخابية، سواء المنظمات المحلية كالمجلس القومى لحقوق الإنسان أو المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أو العربية كجامعة الدول العربية، أو منظمات دولية، بالإضافة إلى نقابتى الصحفيين والمحامين.
وتبارى الجميع فى الدعاية دون أى تدخل، وأثبتت قيادتنا الوطنية أنها على مسافة واحدة من كل القوى والأحزاب السياسية، حتى لا يتخيل البعض أنها محسوبة على تيار سياسى بعينه، وكان التدخل الوحيد محاولتها للتوفيق ما بين طرفى الصراع داخل حزب الوفد، بناء على طلبهما من أجل الحيلولة لانفجار الحزب، وأجريت الانتخابات على مرحلتين، وأعلنت نتائج المرحلة الأولى بكل حيدة وشفافية ونزاهة، وخرج البعض محاولاً تشويهها بإيعاز عدم إقبال المواطنين من أجل تشويه قيادتنا الوطنية، ولكن نتائجها أبهرت الجميع.
وحتى تدحض قيادتنا الوطنية هذه الافتراءات قامت بدعوة المواطنين للاحتشاد، ونجحت فى هذا، وحضرت أعداد تزيد على أعداد المرحلة الأولى، ومرة أخرى يخرج علينا المتربصون بالظواهر السلبية التى ورثناها من الأنظمة السابقة لثورتى ٢٥ يناير، و٣٠ يونيو، وجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، سواء الرشاوى الانتخابية من خلال المال السياسى بشراء الأصوات وتقديم بعض الوجبات أو المزايا العينية الأخرى، وتناسوا أن هذا انعكاس لواقعنا السياسى، ولا ذنب للقيادة الوطنية فى هذا، ونحن فى احتياج جميعا إلى تضافر جهودنا للتخلص للأبد من هذه السلبيات وإعادة التأهيل السياسى للجميع دون استثناء.
وكانت الطامة الكبرى التراشق والتلاسن الحادين ما بين ممثلى قائمة «فى حب مصر»، وقائمة «التحالف الجمهورى»، وتبادل الاتهامات التى وصلت إلى حد الخيانة، وبلاغات للنائب العام، وتناسى قيادات كلتا القائمتين أن كل قائمة محسوبة على ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، وفى خندق واحد، وهما مستهدفتان من قوى الإرهاب، الأمر الذى صدم المواطنين.. لأن معركتنا ضد الإرهاب لم تنته، وهناك الكثير والكثير من المهام الوطنية، والديمقراطية التى لم ننجزها بعد، كما أننا لسنا بصدد تركة أو غنيمة من أجل اقتسامها، وسارع الأعداء بإذكاء هذه الفتنة، والانقسام بصب الزيت على النار ليزدادا اشتعالاً.. ولعب بعض الصحف والفضائيات دورا فى إذكاء هذا الصراع، وظهر بعض أفراد الطابور الخامس، مستغلاً هذا المناخ، فتحجج أحدهما بالمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، وهو من المحسوبين على الخلايا النائمة، متناسيا أن لدينا رئيسا عظيما منتخبا، وله مدة حددها الدستور لم يكملها بعد، ومن حق الشعب المطالبة بإعادة انتخابه مرة أخرى، لإخلاصه وتفانيه لخدمة الوطن، ولم يوقظنا جميعا من سباتنا سوى الحادث الإرهابى الذى تعرض له فندق «سويس إن» بمدينة العريش، والذى يقيم به المشرفون على الانتخابات البرلمانية بشمال سيناء، نتيجة الإقبال الشديد للناخبين على لجان الاقتراع.. حيث استشهد قاضيان، و٣ من رجال الشرطة، وإصابة ١٢ آخرين، بسبب قيام إرهابى بتفجير سيارة مفخخة بمحيط الفندق، ولكن يقظة أحد الحراس الأبطال تصدى لها، وفجرها بعيدا.. فقام إرهابى آخر بالتسلل لغرفة تجهيز الطعام، وفجر نفسه بحزام ناسف، أما الثالث فتسلل لإحدى غرف الفندق، وأخذ يطلق النار عشوائيا، وتم زف الشهداء من القضاة والشرطة إلى مثواهم الأخير فى مواكب رسمية وشعبية رافضة هذا الإرهاب الأسود، وحادث مقتل ١٢ من عناصر الأمن الرئاسى التونسى، إثر تفجير استهدف حافلة كانت تقلهم، ثم حادث قيام الطائرة التركية بإسقاط إحدى القاذفات الروسية أثناء قيامها بقصف تجارة النفط غير الشرعية لـ«داعش»، الأمر الذى سيؤدى إلى فضح الدور التركى، وحلف الناتو فى دعم إرهاب «داعش» عن طريق تسويق البترول الذى تستولى عليه من حقول العراق وسوريا، مما يوفر لها عملة صعبة يمكنها من شراء أحد الأسلحة من السوق السوداء، وتم قتل أحد الطيارين الروس، بينما الثانى نجحت قوة من الكوماندز السورى بتحريره، حيث سقط داخل الأراضى السورية، ليؤكد للمتصارعين ولنا أن الإرهاب ما زال يهددنا داخليا وعربيا ودوليا، الأمر الذى يحذرنا جميعا من شق الصفوف، والعودة إلى الاصطفاف خلف قيادتنا الوطنية، حيث إن المعركة مع الإرهاب لم تنته بعد، ولدينا العديد من المهام الوطنية التى يجب علينا القيام بها، وهى تتسع للجميع بصرف النظر عن النتائج أيا كانت، سواء فاز من فاز وخسر من خسر وسقط من سقط!!.. فبناء الأوطان يحتاج إلى جهد الجميع، لأنها عملية شاقة وطويلة، ويمكن لمن لم يوفق بالفوز بأن يكون رقيبا على عمل النواب الذين تم انتخابهم من خلال الاستجوابات التى يقدمونها.. ووارد اختياره فى دورة أخرى، ومن لم لا يحسن الأداء سيكون مصيره السقوط فى الدورة التالية، كما أن انتخابات المحليات ستكون على الأبواب، وكذلك انتخابات النقابات العمالية والمهنية، لتطهيرها من محتكرى العمل النقابى الذى كونوا ثروات طائلة، ونأمل فى إنهاء هذا التراشق فورا، ومن أخطأ فى حق الآخر عليه الاعتذار.. لأننا جميعا سنكون من الخاسرين، والمستفيد الوحيد أعداء الوطن والمواطنين، ولنهتف جميعا وسويا.. تحيا مصر، ولا وألف لا للانقسام.