الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

بين توفيق صالح وداود عبدالسيد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نرجو أن تكون هذه السطور، تحية جديرة باسم وإسهام المخرج فنان السينما الكبير توفيق صالح، وفى ذات الوقت بقيمة ومقام المخرج فنان السينما القدير داود عبدالسيد.. وقد احتفى مؤخراً، بعيد ميلاد الأول «٢٧ أكتوبر ١٩٢٦»، وعيد ميلاد الثانى «٢٣ نوفمبر ١٩٤٦»، كل من يعرفون فى حياتنا الثقافية فضل المخرجين وسجل كليهما الزاخر.
لماذا نجمع بين المخرجين المرموقين فى هذه السطور؟.. فى تقديرنا، أن ما يجمع بين هذين المبدعين بالذات، الكثير، ومن أكثر من وجه.
فلكل منهما اهتمام ثقافى فكرى وسياسى أصيل، ورؤية متعمقة للمجتمع والعالم، حتى من قبل إخراج «الفيلم الأول»، وذلك أمر نادر بالنسبة للمخرجين سواء فى السينما لدينا أو فى أى مكان.
إن للمخرج المبدع الكبير يوسف شاهين، قولا معروفا مهما قاله مرات: «لقد حصلت على معرفة خلال ممارستى إخراج الأفلام وليس قبلها، وأقصد معرفة الطريق الصحيح.. بخلاف الحال بالنسبة لتوفيق صالح، الذى كانت لديه رؤية وثقافة وموقف فكرى وسياسى واضح حتى قبل أن يبدأ إخراج الأفلام..».
فإن مخرجينا فى الأغلب الأعم، إما أن امتلكوا مثل هذه الرؤية الجادة خلال اشتغالهم بالسينما وليس قبلها، وإما أن كانوا وظلوا إلى النهاية أصحاب رؤية إنسانية بسيطة غير متعمقة، بل وما أكثر مخرجى النظرة الساذجة للحياة والتجارية للفن.
من جهة أخرى فإن الانشغال الشديد بالشأن السياسى، بأدق وأعمق معانيه وأبعاده، هو أمر على الدوام ملحوظ جلى، لدى كل من هذين المخرجين، إلى حد أنه يمكن اعتبار السينما التى قدمها كلاهما، هى فى المجمل «سينما سياسية» بكل مستويات هذا المصطلح وما يشتمل من معان، ومنذ أول فيلم لتوفيق صالح «درب المهابيل ١٩٥٥» مروراً بـ «صراع الأبطال ١٩٦٢، المتمردون ١٩٦٦، ويوميات نائب فى الأرياف ١٩٦٨» وصولاً إلى «المخدوعون» ١٩٧٢ الذى يتصدر أفلامنا عن القضية الفلسطينية.. وغيرها، وأيضاً منذ أول فيلم لداود عبدالسيد «الصعاليك» ١٩٨٥ مروراً بـ«البحث عن سيد مرزوق ١٩٩٠، أرض الخوف ٢٠٠٠، مواطن ومخبر وحرامى ٢٠٠١».. إلى أحدث أفلامه هذا العام. هكذا، فإن الاهتمام السياسى والانشغال بأحوال المجتمع بعمق لديهما، عكس نفسه بقوة فى عطائهما الإبداعى، إلى حد اعتباره إنجاز سينما سياسية بالمفهوم الصحيح الدقيق.. أضف أيضاً أن القواسم المشتركة فى فكر كليهما واضحة، فهما ينطلقان من رؤية تقدمية اشتراكية، وإن لم تكن هذه الرؤية، لدى أى منهما فى أى وقت، من نوع وجهات النظر اليسارية الجامدة أو الضيقة الأحادية، وإنما رحبة مرنة إنسانية.. والتى على استعداد للتحاور مع كل الأفكار، حتى إن الرؤية التقدمية لتوفيق صالح اقتربت كثيراً وتدريجياً على مر العقود الأخيرة من الرؤية التقدمية العروبية الناصرية، وهو الذى سبق أن قدم فى فيلم «المتمردون» أهم نقد راق فى السينما لمسار ثورة يوليو، خلال ذروتها الستينية وفى حياة قائدها، لكنه النقد الذى يستمد قيمته والاعتداد به من أنه نقد فى إطار وموقع معسكر الثورية، وعلى عداء مع معسكر الثورة المضادة. يجمع بين المخرجين أيضاً، دأب كليهما المستمر، فى سبيل تجسيد الرؤية الفكرية، من خلال معالجة درامية ناضجة ثرية متقنة، وعبر تجديد حقيقى وجماليات وتقنية سينمائية متطورة، وتصل سينما صالح إلى ذروتها من هذه الناحية الحرفية والجمالية فى أفلامه الأخيرة خاصة «المخدوعون»، ونفس الشىء بالنسبة لسينما عبدالسيد فى أفلامه الأخيرة.
فى ذات الوقت يجمع بين المخرجين، قلة حصيلة الأفلام نسبياً لديهما من حيث «العدد»، مع ارتفاعها ورقيها من حيث «الكيف»، ويبدو ذلك بوضوح إذا ما قارنا عدد الأفلام لدى كليهما «بالكم» الملحوظ لدى أبرز مخرجى جيلهما.. وقد كان ذلك وما زال طبيعياً، بالنسبة لسينما مخرجين، كليهما: «هو المخرج (فنان الفيلم) صاحب الموقف الفكرى المحدد»، وكليهما: «هو المخرج المستبسل المصمم على عدم تقديم نوعية السينما التجارية أو السائدة بأى درجة».. وذلك مهما كان الثمن، حتى ولو كان المكوث طويلاً بدون إخراج الأفلام.. إنهما المخرجان فى السينما المصرية اللذان لم يقدما سينما تجارية قط وعلى أى نحو.. إنهما المخرجان اللذان لا يعرفان التنازل ولو بأى مقدار!!
كل المحبة والتقدير على الدوام لاسم وإسهام توفيق صالح وعطائه السينمائى القيم الرفيع.. وخالص التهنئة لدواد عبدالسيد فى عيده وعلى فيلمه الأحدث «قدرات غير عادية»، والامتنان لاجتهاده ومشواره السينمائى المتميز البديع.