تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
أعلم أن عوامل انهيار الأمم كثيرة ومنها ما هو سريع الفعل، أي يكون الانهيار سريعاً مثل القرارات المهلكة التى يتخذها القادة الديكتاتوريون، مثل قرار الرئيس العراقي صدام حسين، بغزو دولة الكويت ولم يدرك أنهٌ كمين أعد له من قبل الولاياتالمتحدة الأمريكية لكى تتخلص من عدو إسرائيل اللدود صدام حسين الذى كان هو الراعى الأول للمقاومة الفلسطينية ويقوم بتعويض كل من هدمت إسرائيل بيته بمبلغ من المال يعينه على بناء بيته من جديد، وأغدق على المقاومة بسخاء، فكان لابد من التخلص منه، كما أن أطماع أمريكا فى الاستيلاء على منابع البترول لم يكن يفارق خيالها، إذ أن البترول سلعة قابلة للنفاد، ولا يوجد ما يجدد هذه السلعة أو يعوض الناقص منها، ولذلك كان كل هم الأمريكان ضمان تدفق هذه السلعة التي هي بمثابة الروح للجسد فوضعت أمريكا يدها الأثمة على ثانى أكبر إحتياطى للبترول بعد المملكة السعودية ألا وهو بترول العراق، فأوقعوا صدام حسين في شباكهم وسهل اصطياده، ربما يسأل السائل أليس لصدام مستشارون يأخذ رأيهم ويحذرونه من هذه الورطة؟ والإجابة أن مستشارين الدكتاتور لا يشيرون عليه إلا بما يرضيه هو ويرضي هواه ومصلحته لأنهم مثله فاسدون ومغلوبون على أمرهم، لا يستطيعون مخالفة هوى السلطان ولذلك يصاب الرئيس بالعمى ويفقد بصيرته السياسية ويورد نفسه وبلاده موارد التهلكة بسبب ديكتاتوريته.
وكذلك قرارات أودلف هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية، وتوسعه فى جبهات القتال فى أوروبا وأفريقيا وفى كل مكان حتى تمزقت قوته وتقطعت بينهم وسائل الاتصال وانتهي الأمر باحتلال ألمانيا وتقسيمها قرابة الستين عاماً، عادت موحدة أخيراً، وقس على ذلك فالقرارات المهلكة التى يتخذها القادة بغباء وعدم دراية تكون سبباً من أسباب انهيار الدول الأمم.
ومن عوامل انهيار الأمم الظلم الشديد الذي تمارسه الحكومات ضد الشعوب، وجباية الضرائب الباهظة، كل هذا يدفع الناس إلى بغض العمل حيث أن ما يحصلون عليه من العمل تأخده منهم الحكومة فى صورة ضرائب مرتفعة، أو غرامات أو أن تستولي الدولة على ممتلكات الغير بالمصادرة أو التأميم أو الصفقات المشبوهة، مثل التى كان يقودها حسن مالك مع هشام طلعت مصطفى، من أجل الحصول على نصف الشركة لصالح “,”خيرت الشاطر“,” مقابل الإفراج عن طلعت بقرار جمهوري، ورفض هشام طلعت هذا العرض وكذلك محاولة شراء ممتلكات رشيد محمد رشيد بثمن بخس، أو مصادرة أموال الناس وغيرها من أنواع الظلم المتعددة، كل ذلك يدفع أصحاب رؤوس الأموال إلى التقاعس وتقتل عندهم همة المشاركة فى بناء المجتمع، إذ أنهم يرون أن جهدهم تم الاستيلاء عليه ولذلك قالوا قديماً “,”العدل أساس الملك“,” وكأن ذهاب العدل يقوض دعائم الممالك فتنهار ولذلك حرم الشرع الظلم وتوعد الظالمين بالعذاب لأن أثر الظلم فى المجتمع مدمر ومخرب للمجتمعات والأمم، لأن الظلم يدفع المظلوم للهروب من ظالمه فيهرب أصحاب رؤوس الأموال فينعدم الاستثمار ويزداد الفقر وتكثر البطالة وربما استعان المظلوم على ظالمه بالغرباء والمستعمرين ولذلك تجد كثيراً ما يصرح القادة الأمريكان بأن الأساطيل الحربية الأمريكية موجودة لحماية الاستثمارات الأمريكية فى العالم حتى لا يطمع ظالم في مصادرة هذه الأموال، ولا يتجاسر مغامر على مغامر على نهبها أو منع استثماراتها، ولذلك بوّب ابن خلدون باباً تحت عنوان “,”الظلم مؤذن بخراب العمران“,” لأنه قال العمران أساسه الملك، والملك لا يقوم إلا بالجند، والجند يحتاج إلى نفقة وأموال، فإذا تفشى الظلم بانتهاب أموال الناس، وذهبت آمالهم بتحصيلها وإكتسابها لما يرونه بأن غايتها ومصيرها هو إنتهابها من أيديهم أنقبضت نفوسهم فى السعي على تحصيلها وكان القعود عن الكسب والتحصيل سبيلهم لانقطاع آمالهم في الاستفادة من حصولها، فإذا قعد الناس عن المعاش و“,”اتقبضت إيديهم عن المكاسب“,”، كسدت أسواق العمران واضطربت أحوال الناس واختل باختلال ذلك حال الدولة والملك والسلطان ولذلك جاء على لسان الحيوان بأن الملك بهرام بن بهرام سمع نعاق البوم فسأل الموبذان عن لغة ذلك، فقال إن ذكر اليوم يراود أنثي اليوم عن نفسها، فسألته المهر وهو ضراب عشرين قرية فقال لها ذكر اليوم لو استمر حكم الملك بهرام سوف تخرب ألف قرية وليس عشرين فسأل الملك يهرام (الموبذان) وهو الحكيم عن ذلك فقال يا جلالة الملك الظلم فى الحكم سوف يأذن بخراب الملك وقال كلمته المشهورة “,”العدل أساس الملك “,”
· ومن عوامل انهيار الأمم ضياع الأخلاق وخراب الذمم .. قال الشاعر :-
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت .. فإن هٌمو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وقد حثت شريعة الإسلام على حسن الخلق فى مواضع كثيرة لأن انهيار الأخلاق يؤدى إلى تفكك المجتمع، واقتتال أفراده ففى موضع يقول الله تعالى :“,”ويلٌ للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون“,” صدق الله العظيم.
ولك أن تتخيل الباعة، وقد انتشرت فيهم عادة السوء من السرقة فى الميزان ويصبح المشترى حائراً بين هذا البائع اللص، وهذا البائع الغشاش ولا يثق أحد فى أحد ولا فى أمانته وقد قال النبي “,”صلى الله عليه وسلم“,” (أول ما يضيع الناس الأمانة) .
وقال “,” صلى الله عليه وسلم“,” : إذا ضٌيعت الأمانة فانتظروا الساعة، وهذه من العلامات بخراب الدنيا وزوالها إذا افتقدت الأمانات بين الناس، وفى مواضع كثيرة يحذر الرسول “,” صلى الله عليه وسلم “,” من آفة اللسان ويقول: فهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا من حصائد ألسنتهم؟ ولك فى آفة اللسان مئات البلايا كالغيبة والنميمة، التي أصبحت عادة سيئة والسباب الذي انتشر بين الناس، وغالباً ما يؤدى للشجار والعداوة والبغضاء بين أبناء الأسرة الواحدة، فضلاً عن المجتمع، فمثل هذه العادات السيئة لو كثرت فى أسرة واحدة مزقتها، فما بالك بأمة مترامية الأطراف وفى مواضع كثيرة يذكر “,”صلى الله عليه وسلم“,”: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق “,” وقوله (ص) أقربكم منى مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً
ويحذر فى مواضع كثيرة من آفة الكذب، ويٌعدها علامة من علامات النفاق وفى حديثه “,” صلى الله عليه وسلم“,” عن معاذ بن جبل “,”رضي الله عنه “,” قال (( قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يٌدخلني الجنة، ويبعدني عن النار، قال: لقد سألت عن عظيم، وإنهٌ ليسيرٌ على من يسرَهُ الله عليه: تعبد الله لا تُشرِكٌ به شيئاً، وتُقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت.. ثم قال: ألا ذلك على أبواب الخير، الصوم جنةٌ والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفىء الماءُ النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا: تتجافى جنوبهم عن المضاجع، إلى آخر الآية، ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد، ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قُلتُ يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، فقال : ثكلتك أُمُك يا معاذ . وهل يكُبُ الناس على وجوههم فى النار إلا حصائد ألسنتهم “,” حديث صحيح أخرجه الترمذي.
فلك أن تتخيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك باباً من أبواب الخير والعمل الصالح إلا ذكره معاذ، ثم قال له لكى تمتلك ذلك وتقدر على فعله فأمسك عليك لسانك حتى يتيسر لك فعل أبواب الخير وكما أخبرنا النبي (ص) بأن الحلم بالتحلم والعلم بالتعلم والصبر بالتصبر فأيضآ الإقلاع عن العادات السيئة كالكذب والسباب والغش وخيانة الأمانة والغيبة والنميمة وغيرها من الأخلاق الذميمة يكون بالتعود و الصبر على التخلص منها فالذي يكذب كثيراً عليه أن يعزم على عدم الكذب ويدرب نفسه على ذلك، وكذلك من ابتلى بعادة السباب عليه أن يقلع عن ذلك، ويدرب نفسه ويصبر على ذلك حتى يقلع عن هذه العادة، وكذلك أصحاب الغيبة ويعشقون مجالس الغيبة والنميمة فعليهم أن يدربوا أنفسهم على هجر هذه العادات وغيرها من العادات السيئة والأخلاق الذميمة وكذلك المفرطون فى الواجبات (كالصلاة والصوم وغيرها)، عليهم أن يدربوا أنفسهم على أداء الواجبات كما أمر الله تعالى بها، فإن الله يقول: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فعلى الإنسان أن ينوى نية إصلاح نفسه ويبدأ وإن الله سيكون في عونه.
وإننى ذكرت هذا الموضوع لما رأيته من انهيار أخلاقي بشع سقطت فيه جماعة الإخوان وأفرادها بدءاً من سحل وتعذيب المعارضين عند الاتحادية وكذلك التعذيب البشع لمن كانوا يظنون أنه جاسوس عليهم فى أعتصامات رابعة والنهضة أثبتت الانحطاط الخلقي لهذه الجماعة، وقد تبين ذلك فى شهداء الشرطة الذين سقطوا فى قسم كرداسة حيث التمثيل بالجثث وهو منهي عنه والتبول عليهم وتقطيع أوصالهم وسكب البنزين عليهم وعبارات السب التى تكتب على الحوائط وسباب مفتى الجمهورية السابقة الشيخ / على جمعة بأقذر الألفاظ، فكل هذه الأمور وغيرها تدخل على المستوى المنحط لأخلاقيات أفراد هذه الجماعة فكيف يمكن لها في الأرض وهي تهتك الحرمات بالقول والفعل بل مثل هذه الأفعال تؤدى إلى إنهيار الأمم القائمة بالفعل وليست مجموعة تبحث عن التمكين فلابد من مراجعة هذا الانهيار والانحطاط الأخلاقي لهذه الجماعة وغيرها سواء على مستوى الفرد أو الجموع وعلى الله قصد السبيل .