فى كلمته يوم السبت الماضى ببورسعيد، أشار الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى مجموعة من التحديات التى تواجه بلادنا، ومن الطبيعى أن يكون التحدى الأول هو الإرهاب الأسود الذى يضرب فى خبث وتآمر، أركان الاستقرار فى مصر، هذا عادى ومفهوم ويراه المتابع بعينيه صباحًا ومساء.
الجديد فى كلمة الرئيس، أنه أشار إلى أن التحدى الثانى مباشرة هو مقاومة الفساد، وهنا مربط الفرس، الفساد الذى ضرب بجذوره عشرات السنين صارت له فروع وشبكات وابتكارات فى النهب، تضع أى تنمية حقيقية فى خانة الاستحالة، وهذا التحدى الغريب لا يحتاج ردعه إلى قوانين جديدة، فبلادنا متخمة بالقوانين التى تحاسب الكبير قبل الصغير، ولكن غياب الإرادة عن مقاومته، فتح أبوابا خلفية وشبابيك يهرب منها الفاسدون دون عقاب.
واليوم ونحن نرى رئيس الجمهورية بمقامه الرفيع يضع مقاومة الفساد كتحدٍ ثانٍ لمصر من حقنا أن نتفاءل، وأن نضغط معًا لكى تبقى تلك القضية مطروحة على الطاولة بشكل مستمر وواضح، حتى نتجاوز تلك الآفة الخبيثة التى التهمت الأخضر واليابس فى البلاد، وعملت على سد طريق الأمل للأجيال الجديدة، وكرست الغضب فى الصدور، وساهمت فى تحويل ذلك الغضب ـ عند البعض ـ إلى انتماءات خاطئة وهو الارتماء فى أحضان التطرف، ولذلك فأنا لست مبالغًا عندما أقول إن الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة.
وبالرغم من مثول قضية مقاومة الفساد أمام كل الحكومات، وتناولها اليومى فى الصحافة والإعلام، وبين رجال السياسة وعلى ألسنة الناس، بالرغم من أن تلك القضية، هى محور الحديث اليومى للجميع، إلا أنها لم تأخذ المسار الجدى لمقاومتها بشكل واضح يعيد الأمل للبسطاء المسروقين، وهو ما أدى إلى استمرار حالة الاحتقان بين الناس وأجهزة الدولة، فليس من المنطقى أن يتحول كل موظف ألقت به المقادير لتبوؤ وظيفة معينة إلى صاحب وكالة موروثة، يتلاعب فى شئون الناس كما يريد، إنها قنبلة موقوتة والسكوت عنها يضعنا جميعًا تحت خطر الانفجار فى لحظة لا نعرف موعدها.
وللفساد أنواع متعددة ومركبة، النموذج الفج والواضح هو لعشرات إن لم يكن مئات من رجال الأعمال الذين احترفوا اختراق القوانين لنهب كل ما تطاله أيديهم، سواء كان موارد طبيعية أو حقوقًا للدولة أو عرق عمال، كل هذا يتم تحت سمع وبصر الجميع، وكلنا يعرف أن استمرار مثل تلك الأوضاع يخلق بين قطاعات عريضة من الشعب شعورًا عامًا بالعجز والمهانة، ذلك الشعور هو بدايات الخطر على المجتمع والدولة، فالكبت يولد الانفجار وتلك بديهية يعرفها القاصى والدانى.
وإذا عدنا بالذاكرة إلى ما قبل سنوات قليلة فى مشاهد الخراب العام الذى سيطر على الوضع فى البلاد، سنرى بوضوح أن الشغب والحرق والتدمير، لم يتوقف عند أقسام الشرطة كعنوان للقهر، ولكنه امتد إلى إدارات الأحياء، وإلى إدارات المرور وإلى بعض مكاتب الشهر العقارى وإلى الكثير من المرافق التى عانى داخلها المواطن من سطوة كاذبة لموظف فاسد، وعلى ذلك فإن أبواب المصالحة مع تلك المرافق تبدأ أولًا بالتأكيد على احترام حقوق وآدمية الناس وعلى المساواة بينهم وعلى احترام القوانين وعلى ردع المخالفين بالجزاء المناسب والواضح والمعلن، لكى يتعظ كل من يفكر فى اقتراف مخالفة. أعرف بالطبع أن ميراثا ثقيلا ورثته دولة ٣٠ يونيو، وأن مقاومته لن تكون بين عشية وضحاها وأن شبكات المصالح أكثر تعقيدًا مما أظن ويظن غيرى، ولكن بشارتنا كانت فى كلمة رئيس الجمهورية قبل أيام، لذلك أتمسك بها كتحدٍ حقيقى، وأن مقاومته سوف تستلزم استنفار قطاعات واسعة من الشعب، وتنشيط الأجهزة ومعالجة التيبس الذى سد شرايين بعض أجهزة الردع، وهو ما سيلقى حملًا جديدًا على مرفق القضاء الذى هو مطالب أكثر من أى وقت مضى بتحقيق العدالة الناجزة السريعة، هذا بالضبط ما يحتاجه الناس وما يحتاجه الوطن، لكى نتقدم وتتحقق أحلامنا الطموحة.