السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مصر.. العصية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نعيش الآن مرحلة سقوط الأقنعة وتسديد الفواتير المستحقة، ففرنسا عاشت ليلة سوداء وما زالت تعانى من تداعياتها، وأمريكا خفت صوتها تماما بعد مفاجأة مؤتمر قمة العشرين، التى أعلنها بوتين فى وجوه الجميع: إن أربعين دولة تمول الإرهاب، وإن منهم مشاركين فى المؤتمر، وتبدو الأيام المقبلة مفتوحة على كشف كثير من المتورطين فى دعم الإرهاب من جهة، والتنديد به من جهة أخرى، وهو ما يمثل نوعا رخيصا من النفاق السياسى الكريه، ولعل الولايات المتحدة تقف على قمة هرم النفاق السياسى ومعها «توابعها» سواء من دول «تظن» أنها كبرى مثل بريطانيا التى كانت عظمى، أو من دول عميلة بالتبعية ومجبرة على إرضاء البيت الأبيض بجميع الوسائل مثل تركيا الأردوغانية، أو من «أشباه» دول تسير فى الفلك الأمريكى معصوبة العينين مثل قطر، أو من «جيش يجر وراءه دولة» مثل الكيان الصهيونى الذى يقود حربا إقليمية مدمرة دون أن يطلق رصاصة واحدة.
الشاهد هنا أننا نعيش مرحلة سياسية فارقة بكل معنى الكلمة، لأن ما سيحدث بعدها لن يكون كسابقه أبدا، فروسيا تقود العالم الآن رغم أنف الولايات المتحدة التى تمرغت فى علاقاتها المشبوهة مع الأنظمة الراديكالية التى تروج للأصولية الإسلامية بمعناها القديم الذى تجاوزته الأزمنة وأصبح تاريخا يُروى، لا أسلوب عيش يتبع، ومن تحت هذه الخيمة المثقوبة خرج الوهابيون الذين خرجوا أصلًا عن صحيح الدين الإسلامى الذى يؤمن «بالوسطية» ورأوا فى الدعوة العنيفة للدين ملاذهم «الدعوى» وبدأت الدعوة فى الانتشار داخل الجزيرة العربية عن طريق جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، التى تضخمت حتى ساورها وهم الاستيلاء على أنظمة الحكم المجاورة وتحطيم مؤسساتها وتأسيس «الدولة الإسلامية» التى تمهد لعودة نظام «الخلافة» الذى عفا عليه الزمان.
فى ذلك الوقت بدأت دويلة قطر التى تعانى ثروتها من التخمة، فى البحث عن زبائن محتملين لمدهم بالغاز الطبيعى، وضرب الدولة الروسية فى أهم مواردها، وهو إمداد أوروبا الغربية بغاز بحر قزوين الذى نقلها لمصاف الدول الغنية، لكن المشكلة التى واجهت قطر كانت لوجستية، إذ لا بد أن تمر أنابيب الغاز عبر الأراضى السورية، صعودا إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، لكن سوريا على علاقة صداقة استراتيجية مع موسكو، وبالتالى يصعب تمرير المؤامرة منها، فكانت المؤامرة الأنكى بإخراج الدولة السورية نفسها من سياق التاريخ والجغرافيا، واستغلت فى ذلك «الربيع العربى» الذى طال عدة دول تغير نظامها الحاكم بالفعل، وتدخلت أمريكا لتغيير النظام الممانع فى دمشق عبر الإيعاز لذيولها فى المنطقة بإضرام النار فى الثوب السورى، ووجدت قطر غايتها فى ذلك الحل الذى يسهل لها طريق الغاز إلى أوروبا، ومع الوقت بدأت أمواج «المجاهدين» تترى على بلاد الشام التى دخل جيشها أتون معركة غير متكافئة ليس فى العتاد العسكرى الأحدث ولكن فى الإعلام الغربى الذى وجد فى بشار الأسد غايته من الطغاة «المفضلين» وبدأت الصورة الغربية لما يحدث على أرض سوريا تؤكد للعالم أجمع أن نظام الأسد يقتل شعبه، ولما طال أمد النظام وصموده، أخرجت الولايات المتحدة عفريت داعش من جيبها الخلفى، وبدأت جحافله تتسلل من الأراضى التركية لتلتهم الشمال كله، ثم تمشى للعراق فتحتل شماله أيضا على سيارات الدفع الرباعى السريعة، وبدا للعيان أن تحقيق نظرية الفوضى الخلاقة «الأمريكية الصهيونية» بات وشيكًا، وعليه اتسعت الجبهة وتعددت حتى بات الحريق قريبًا من الثوب العربى كله، لكن مصر أسقطت نظام الإخوان العميل وبدأت قيادتها الجديدة فى المواجهة الجذرية لإرهاب المتأسلمين، وفى وقف السيل القادم من ليبيا المجاورة وتحجيمه، فى نفس الوقت الذى حقق فيه الجيش السورى انتصارات مؤثرة جعلت أمريكا تخلع بُرقع «الحيا» وتهدد بتوجيه ضربة ساحقة للنظام الذى استغاث بصديقه الروسى، لينجح الأخير فى إجهاض الحماس الأمريكى للضربة، ثم يقيم قاعدة خاصة لقواته الجوية، تنطلق منها الغارات اليومية المكثفة على التنظيمات الإرهابية الممولة عربيًا وأمريكيًا، ويقلب الطاولة فى وجوه الجميع.
وعلى خلفية تلك الارتباكات التى أصابت المنطقة، بدأ الإرهاب يدق أبواب أوروبا بدءا ببوابة باريس التى شهدت ليلة سوداء لم ترها إبان الغزو النازى لها، وتبدأ الخيوط فى التشابك أكثر، حين سارعت تل أبيب إلى توزيع الاتهامات على خصومها بشأن هذه الهجمات الدامية، ليأتى الرد الصاعق من وزيرة الخارجية السويدية، والذى قالت فيه «إن إسرائيل تقف بشكل غير مباشر وراء الهجمات فى باريس».
وما بين اتهام تل أبيب بالإرهاب «الناتج من تلكؤها فى حل القضية الفلسطينية بناء على معاهدة السلام بين الطرفين» وما بين اتهام تل أبيب لحليفها التركى فى أنقرة بزرع القنبلة التى أطاحت بالطائرة الروسية فى مطار تركى، حطت عليه بصفتها رحلة ترانزيت قبل أن تسقط على رمال سيناء، تعيش المنطقة مرحلة فارقة، تتغير فيها الوقائع والأحداث بشكل يومى وتتوالى المتغيرات التى لن تلبث إلا أن تكون حقائق جديدة على أرض الواقع، وتظل مصر رغم كل ذلك الاضطراب مطمئنة لوحدة إرادة جيشها وشعبها وعصية على السقوط.