الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

هل يمكن القضاء على الظلم..؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ظلم البشر لبعضهم البعض لم ينقطع منذ كانت البشرية. لم يخل العالم قط من المحرومين المظلومين. وتشير دراسات علم النفس الاجتماعى إلى أن الحرمان فى حد ذاته قد لا يعنى شيئا بالنسبة للمحروم. من المحرومين من لا يعرفون أنهم كذلك، ويظنون أنهم مثل غيرهم من البشر أو أن الفروق بينهم وبين غيرهم فروق طفيفة لا تمس الجوهر. ومن المحرومين من يعرفون أنهم كذلك ولكن ألقى فى روعهم أن تلك هى سنة الحياة ومن ثم فإن التمرد على أوضاعهم لا طائل وراءه سوى الشقاء فى الدنيا والعذاب فى الآخرة، وأنه لا سبيل سوى الاستلام بل الرضا. وتبدأ المشكلة مع اكتشاف المحروم أن ظلما قد وقع عليه، وهو لا يكتشف ذلك إلا عن سبيل أمرين متكاملين:
الأمر الأول هو مقارنة أحواله بأحوال أقرانه من بنى البشر.
الأمر الثانى أن يطرح على نفسه وعلى الآخرين ذلك السؤال الخالد «لماذا أنا هكذا؟». حينئذ يبدأ ما يمكن أن نسميه الوعى بالحرمان.
وتشير دراسات علم النفس الاجتماعى فى هذا الصدد إلى ما يسمى بنظرية الحرمان النسبى، وهى نظرية مضى على صياغتها ما يزيد على نصف القرن، وما زالت الأدلة المدعمة لها. وتقوم النظرية على أن رضا الفرد عن أوضاعه أو ضيقه بتلك الأوضاع لا يتوقف على المستوى الموضوعى للحرمان أو الفجوة بينه وبين الآخرين، بل إنه يرجع إلى الفارق بين حجم ما يحصل عليه الفرد موضوعيا والمستوى الذى يرى أنه يستحقه أو يتوقعه. وقد أورد أحد علماء النفس الاجتماعى مثالا يوضح المقصود بالحرمان النسبي: قبيلة الصيد أو الرعى قد تمضى أياما لا تجد طعاما ومع ذلك لا يحس أفرادها إلا بقدر ضئيل من الحرمان النسبى إذ إنهم لا يتوقعون -فى مثل ظروفهم -الحصول على مزيد من الطعام، فضلا عن شعورهم بأنهم جميعا يعانون على قدم المساواة، ومن ثم فإنه لا يوجد من أبناء القبيلة من يعتبرونه مسئولا عن حرمانهم. ومن ناحية أخرى فإن صاحب الملايين العديدة إذا ما فقد جانبا كبيرا من ثروته ولم يبق له سوى ملايين قليلة قد يشعر بقدر هائل من الحرمان النسبى. وقد ربط بعض علماء النفس الاجتماعى بين الاضطرابات السياسية والاجتماعية الداخلية، وظاهرة الحرمان النسبى، أى اتساع الفجوة بين ارتفاع مستوى الطموح المصاحب للتقدم الاجتماعى وانتشار الثقافة والتعليم وبين مؤشرات الواقع الاجتماعى الفعلى كالدخل القومى العام وعدد الصحف وأجهزة الراديو وعدد السعرات الحرارية التى يستهلكها الفرد إلى آخره. الأمر يتوقف إذن على «درجة الوعى بالحرمان»، وعى المحرومين بحرمانهم.
ويلعب الانفجار الإعلامى الذى يشهده عصرنا دورا مركبا بالغ التعقيد فى هذا المجال، فهو من ناحية قد يزيد من وعى المحرومين بحرمانهم بإتاحته لهم رؤية غيرهم ممن ينعمون بحياة مترفة، ومن ناحية أخرى فإنه قد يلعب دورا فى تزييف وعى المحرومين وتخديرهم، فضلا عن أنه قد يلعب أحيانا دورا فى تبصير المحرومين بوسائل يمارسها أمثالهم للتخلص من حرمانهم. الأمر يتوقف فى النهاية على مضمون المادة الإعلامية.
ولكن ثمة حقيقة لا سبيل إلى إنكارها؛ أن الإعلام مهما بلغت قوة تأثيره ليس بالعامل الوحيد فى هذا المجال، بل تشاركه وقد تفوقه تأثيرا مؤسسات اجتماعية أخرى قد تكون أشد خطرا وعلى رأسها الأسرة والمدرسة، حيث يتلقى الطفل منذ فجر طفولته تدريبا مكثفا على أساسيات مواجهة الوعى بالظلم أو الحرمان، سواء من موقع المحروم أو من موقع المتهم بالظلم.
وللحديث بقية..