أقول فى هذه السطور، لكل من الفنانة المطربة الكبيرة فيروز، والفنانة الممثلة الكبيرة ميرفت أمين، اللتين نحتفل معهما بعيد ميلاد كل منهما هذا الأسبوع: كل عيد لكما.. وأنتما بسعادة، كما أسعدتما الملايين من جمهور أمتنا.
ويجمع بين فيروز (وعيد ميلادها فى ٢١ نوفمبر)، وميرفت (وعيد ميلادها فى ٢٤ نوفمبر)، أن كلتيهما «آخر العمالقة» فى فنه.. ونعنى بهذا التعبير هنا ما يطلق عليه (النجوم والأساطير) فى فن من الفنون.. فالفنان المقتدر أو القدير هو من أعظم وأجمل ما فى حياتنا، لكن حينما يكون أيضًا نجمًا، أى متمتعًا بحضور وقبول خاص (يعادل فى السياسة تعبير «كاريزما»)، فهذا أمر نادر، أما إذا بلغ وحلق فى مكانة (النجوم الأساطير)، فهذا أكثر ندرة من الأمرين.. وهذه هى مكانة كل من «فيروز»، و«ميرفت».
وفى تقديرى، بل يقينى، أن فيروز من أعظم ثلاث مطربات لدينا، إلى جانب أم كلثوم وأسمهان، مثلما أن أعظم ثلاثة مطربين لدينا محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ.. هناك رائعات ورائعون كثيرون بالتأكيد، لكن هذه هى الأهرامات الثلاثة، أو المثلث الذهبى فى فن الغناء فى الأصوات النسائية.. ومثل ذلك فى أصوات الرجال.
وفى فن وعالم وعلم الغناء لدينا، هناك مدرسة بكل معنى الكلمة، كاملة الأوصاف، اسمها فيروز والرحبانية.. وكما أن أجيالًا كانت وتكون وأجيالًا تالية إلى ما لا نهاية، بحاجة إلى هذه المدرسة استماعًا واستمتاعًا، ألحانًا وكلمات رحبانية وصوتًا فيروزيًا، فإن هذه المدرسة ستظل بحاجة إلى أن تدرس وتقيم، وإلى أن تكتشف فيها علميًا أبعادًا وعوالم هائلة من جماليات وإمكانات، فهى مدرسة لم تعط كل أسرارها بعد، بل سيظل أبدًا بعض سحرها عصيًا على الاكتشاف والتحديد، شأن كل إبداع فنى حر حقيقى أصيل.. إن الحديث عن (فيروز) صوتًا من السماء ومن الجنة، أداءً ودورًا ومدرسة، نجمة وأسطورة، بل وقيمة استثنائية ورمزًا ومثلًا خالدًا.. لهو حديث لا ينتهى بل لن ينتهى أبدًا.
أما ميرفت أمين (فكما سبق أن رصدنا فى حديثنا عن حلقة البرنامج التليفزيونى الجذاب «صاحبة السعادة»، التى استضافتها فيها مقدمته اللامعة المتميزة إسعاد يونس).. هى «ميرفت أمين»، الفنانة التى دخلت عالم الفن بالمصادفة، عن طريق الفنان الكبير أحمد مظهر، وكانت البداية ١٩٦٨ مع فيلم من إخراجه (نفوس حائرة)، والفيلم التالى مع المخرج الرائد صلاح أبوسيف (القضية ٦٨)، والثالث مع نجم النجوم فى عصره إن لم يكن فى كل العصور عبدالحليم حافظ (أبى فوق الشجرة).. ونحسب أنها مرت بمرحلة أولى تتلمس فيها طريقها، وتتعرف خلالها على طبيعة الفن الذى وجدت نفسها فجأة فى خضمه، هى مرحلة اكتساب الخبرات والدأب من أجل الإلمام بفن الأداء، واستغرقت هذه المرحلة معظم السبعينيات.. لتصل منذ الثمانينيات إلى مرحلة النضج الفنى الواضح، كما تبدى جليًا مثلًا فى «سواق الأتوبيس» إخراج عاطف الطيب (١٩٨٣)، و«عودة مواطن» إخراج محمد خان (١٩٨٦)، و«زوجة رجل مهم» للمخرج نفسه (١٩٨٧)، و«الأراجوز» إخراج هانى لاشين (١٩٨٩).. حتى «توقيت القاهرة» إخراج أمير رمسيس (٢٠١٥).
تقول ميرفت عن «الحفيد» للمخرج عاطف سالم ١٩٧٣: (..أشعر أن «الحفيد» أحب أفلامى إلى قلبى.. للجو الأسرى الحميم الذى عبر عنه، حتى أننا عشنا كأسرة حقيقية ونحن نصور الفيلم.. كما أحب كل أفلامى الكوميدية مثل «واحدة بواحدة» الذى أصبح مشهورًا أكثر باسم «الفانكوش»!.. أما أكثر فيلم أرهقنى فهو «زوجة رجل مهم» لأنه كان يعتمد على الأحاسيس الداخلية طول الوقت، ولم يخرج الغضب أو الكبت إلا ربما فى نهاية الفيلم..).
ظهرت فى زمن الشوامخ والأعلام فى كل مجال، فى أخريات الستينيات، وكانت البطلة فى الفيلم الأخير لكل من فريد الأطرش وعبدالحليم حافظ، آخر مطربين عظيمين من هذا الطراز فى حياتنا.. وأدت أعمالًا مع مخرجين استثنائيين ابتداء من العملاق أبوسيف إلى أفذاذ كالطيب وخان.
فصارت ميرفت فى حياتنا من الكبار والأعلام بدورها.. ولعلى أذكر ما كتبه الزميل سليمان الحكيم يومًا، حول لقاء جمعه بوزير سورى كبير من أهل (السيف والقلم) فى بلاده.. وكانت تثار وقتئذ، فى أعقاب الرحيل القاسى لسعاد حسنى، مسألة: (من نجمة القرن.. فاتن أم سعاد؟).. فإن الوزير قال له: «مع إعزازى واعترافى بالقيمة الخاصة لكل من فاتن وسعاد.. فلماذا ينحصر الاختيار بينهما؟.. بل إننى كمشاهد عربى، والسينما المصرية هى السينما العربية وفننا كلنا.. أقول: لماذا لا تضيفون إليهما ميرفت أمين؟.. بل إننى أفضلها..».
هذا ما قاله وزير الدفاع المثقف المتذوق للفنون، وأقول هنا ربما بصيغة أخرى: عن نفسى.. أعتبر أن سيدة الشاشة العربية فاتن.. ثم سعاد.. ثم ميرفت.
(مديحة سالم):
أختنا على الشاشة.. رقيقة طيبة حنون.. من وجوه عصر الستينيات الذهبى فى الفنون.. دخلت القلوب وتاريخ السينما ولن تخرج منهما أبدًا.. مديحة سالم نقول سلامًا وليس وداعًا.