السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"11 سبتمبر" الفرنسية!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الهجوم الإرهابى الخطير الذى شنه تنظيم «داعش» ضد مواقع متعددة فى فرنسا يماثل، إن لم يتجاوز، فى آثاره الهجوم الذى شنه تنظيم القاعدة ضد مراكز القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية الأمريكية.
ولو تأملنا أحداث ١١ سبتمبر التى تبدو كما لو كانت فيلما من أفلام الخيال العلمى لأدركنا أن ما يمكن تسميته «الخيال الإرهابى» أكثر خصوبة وثراء من الخيال الأمنى التقليدى الذى تمارسه أجهزة الأمن فى البلاد المختلفة!
ولا أنسى فى تحليلى للآثار الدولية والسياسية والحضارية لأحداث سبتمبر، والذى نشرته فى كتابى «الحرب الكونية: عاصفة سبتمبر والسلام العالمى» (القاهرة: دار نشر ميريت ٢٠٠٣)، أننى اقتبست عبارة لافتة للنظر لأحد الجنرالات الأمريكيين المسئولين عن الأمن القومى الأمريكى، حين قال «إذا كان الإرهابيون يقتبسون أفكارهم من كتاب «الجنون» فعلينا نحن فى مواجهتهم أن نقتبس من نفس الكتاب»!. بمعنى أنه على أجهزة الأمن أن تبدع فى ابتكار وسائل مراقبة وملاحقة العناصر الإرهابية فى مختلف البلاد، حتى ولو كانت الإجراءات المتبعة فى هذه المواجهة الكبرى تبدو «جنونية»!
تذكرت هذه العبارات حين تابعت بدقة القرارات والإجراءات التى اتخذها الرئيس الفرنسى «أولاند» عقب الأحداث الدامية مباشرة.
وهو لم يكتف بفرض الطوارئ التى خطط لها أن تكون لمدة ثلاثة أشهر ولكنه طلب من الجمعية الوطنية إصدار تشريع للإرهاب ينص فى مواده على تجاوز كل الضمانات التقليدية التى تنص عليها قوانين الإجراءات الجنائية فيما يتعلق بالقبض على المشتبه فيهم سواء هم أو عائلاتهم بل –أبعد من ذلك- السماح للسلطات التنفيذية بسحب الجنسية الفرنسية من مزدوجى الجنسية المشتبه فيهم، بالإضافة إلى إعطائها سلطة ترحيل العناصر التى يشك فى أنها تنتمى بصورة أو بأخرى إلى التنظيمات الإرهابية.
ولا يخفى أن هذه الإجراءات غير المسبوقة فى فرنسا تعد محاولة للتصدى للمخاطر الإرهابية الكبرى التى ثبت أنها يمكن أن تهدد أمن وسلامة المجتمع الفرنسى.
ويكفى فى بلد عريق فى مجال الحريات العامة والسلام الاجتماعى أن تطلب السلطات من المواطنين عدم النزول إلى الشوارع، وأن تغلق المدارس والجامعات تحسبا لمخاطر إرهابية.
وإذا كانت فرنسا التى تعيش فيها جالية إسلامية تقدر بالملايين، لهم -بحكم علمانية الدولة الفرنسية- حرية ممارسة شعائرهم الدينية سواء فى المساجد التى بنيت فى باريس وغيرها من العواصم الإقليمية الفرنسية- فإن هذه الحريات التقليدية التى كانت محل تقدير من البلاد الإسلامية مهددة الآن.
ويكفى أن نتأمل تصريح وزير الداخلية الفرنسى أن هناك تفكيرا فى إغلاق المساجد التى تحض على الكراهية.
ويعرف من أقاموا فى فرنسا من قبل أن هذه المساجد كانت تتنافس فى السيطرة عليها تنظيمات إسلامية متطرفة شتى كانت تتبنى خطابا يحض على الكراهية وعدم احترام الآخر.
والواقع أن أحداث ١١ سبتمبر الفرنسية تثير موضوعات متعددة. وأهمها جميعا أن الإرهاب لم يعد مجرد تنظيمات مستقرة فى بلد ما تنطلق منه الهجمات الإرهابية ضد أهداف محددة، ولكنه أصبح -بحكم التطرف الدينى- فكرة سابحة فى الهواء يستطيع أى فرد فى أى بلد أن يتبناها ويسلك بالتالى وفقا لها. ومن هنا يدور الحديث عن ظاهرة «الذئاب المنفردة»، بمعنى أن شخصا أو شخصين أو ثلاثة يمكن لهم أن يخططوا لارتكاب حادث إرهابى وينجحوا فى تنفيذه، كما حدث بالنسبة للهجوم على صحيفة «شارل إبدو» الفرنسية الساخرة، واغتيال هيئة تحريرها بالكامل وهم مجتمعون فى دار الصحيفة.
ومما يسهل نجاح هذه العمليات الإرهابية أن من يقومون بها ليس لهم سجلات إرهابية سابقة تسمح لأجهزة الأمن بملاحقتهم.
والموضوع الثانى الهام فى أحداث ١١ سبتمبر الفرنسية أنه لأول مرة –بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١- ينجح تنظيم إرهابى فى الهجوم المتزامن على أربعة مواقع متفرقة فى وقت واحد، بما فيها استاد الكرة الذى كان يتواجد فيه الرئيس الفرنسى نفسه. فقد نجح أحد الإرهابيين فى النفاذ إلى الإستاد وكان يلف وسطه بحزام ناسف وحين شك فيه أحد رجال الأمن جرى ونسف نفسه، وكان مقررا أن يتم ذلك وسط الجمهور لإحداث أكبر عدد من الضحايا.
والموضوع الثالث أن تنظيم «داعش»- فى بيانه الذى أعلنه وقرر فيه مسئوليته عن الهجوم الإرهابى- قرر بوضوح أنه تم عقابا للدولة الفرنسية على اشتراكها مع قوات الحلفاء فى ضرب مواقع «داعش» فى سوريا.
فكأن هذا التنظيم الإرهابى يخطط لعقاب الدول التى تشارك فى مواجهته على الأرض السورية.
والموضوع الرابع يتعلق بالتصورات الجنونية لقادة تنظيم «داعش» الذى تحول إلى خلافة إسلامية مزعومة بقيادة «أبوبكر البغدادى»، والتى تتعلق بأن هدفهم الاستراتيجى هو بسط نطاق هذه الخلافة ليس على العالم العربى فقط ولكن على العالم كله، بحيث تصبح دولة مثل فرنسا مجرد ولاية من ولايات الخلافة الإسلامية!
قد يبدو هذا التصور ضربا من ضروب الخبل الذهنى، ولكن لو رجعنا للكتابات الإرهابية لاكتشفنا أن لديهم خطة استراتيجية لأسلمة أوروبا. تماما مثل خطة الإخوان المسلمين الإرهابية لأسلمة الولايات المتحدة الأمريكية!
ولو حللنا ممارسات جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية فى الولايات المتحدة الأمريكية، لاكتشفنا أن قادتها المقيمين هناك نجحوا نجاحا فائقا فى اختراق مواقع إصدار القرار فى الولايات المتحدة الأمريكية!
ويكفى أن نعرف بناء على وثائق أمريكية معلنة- أن البيت الأبيض نفسه أصبح يضم فى عهد «أوباما» عددا من المستشارين والذين هم أعضاء بارزون فى جماعة الإخوان المسلمين. بالإضافة إلى اختراق جماعة الإخوان عديدا من مراكز البحث الأمريكية، بل تكوينهم جماعات ضغط فى الكونجرس الأمريكى نفسه تعمل لحساب جماعة الإخوان، وتخطط لتشويه صورة الدولة المصرية بعد ٣٠ يونيو.
بعبارة موجزة أحداث ١١ سبتمبر الفرنسية - على الرغم من دمويتها- تمثل صدمة بالغة للوعى العالمى الذى اهتز من السلوك البربرى للجماعات الإرهابية، سواء فى فرنسا أو فى المناطق الخاضعة للخلافة الداعشية!
هذه الأحداث ستكون لها نتائج عسكرية وأمنية وثقافية لا حدود لها، ولابد لنا فى العالم العربى أن نستعد للموجة العالمية فى مواجهة الإرهاب.