تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
«لِمْ مذيعاتك يا وليد يا إبراهيمى»
يعرف المصريون جيدا الفارق بين الجد والهزل.. يدركون قيمة السخرية ولا يمكنهم أن يغضبوا منها، فهم أهل النكتة والسخرية، ولا يمكن أن يجاريهم أحد فيها أبدًا، ولذلك كان طبيعيا أن يبدو بالنسبة إليهم ما فعلته المذيعة اللبنانية «نيكول تنورى» سخيفًا ومملا وسمجًا، والأكثر من ذلك، موجها لأهداف سياسية.
تعمل «تنورى» في قناة «العربية»، المفترض أنها قناة تقدم مضمونًا جادًا، لكن ربما لحاجة في نفس القائمين عليها، قررت إدارة القناة أن تقدم برنامجًا ساخرًا، يتناول الانتخابات المصرية، وقبل أن تتعجب وتقول ولماذا لا تتناول الانتخابات في السعودية مثلا؟ سأقول لك: وهل هناك انتخابات في السعودية أساسا حتى يكون هناك تناول جاد أو هزلى لها؟!
«عصير انتخابى».. هذا هو اسم البرنامج الذي تقدمه «تنوري»، لم تستطع أن تتقن فن السخرية فيما تقدمه، فتحايلت على مشاهديها بشخصية المهرجة، تابعتُ بعض ما قدمتْه خلال حلقات المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، فوجدت «أراجوز» يتسول الضحك وليس أكثر، ولا أعرف من خدعها وأدخل في رأسها أنها خفيفة الظل ويمكن أن تقدم برنامجًا ساخرًا.
هذه ليست قضيتنا، فـ«تنوري» أتفه من أن نلتفت إليها الآن، وبرنامجها أقل من أن نتعامل معه على أنه مؤثر بأى شكل من الأشكال، لكن ما يستوقفنى بالفعل، هو السياسة التي تتعامل بها قناة «العربية» مع مصر.
لا يمكن لأحد أن يقنعنا باستقلالية قناة «العربية» عن أهداف ومصالح مالكها الشيخ «وليد الإبراهيمى»، الذي ربما يعتقد أنه يمكن أن يكون مؤثرًا في الحياة السياسية المصرية، قد تستوقفنى وتقول وما علاقة وليد الإبراهيمى ببرنامج ساخر تقدمه واحدة من مذيعات القناة؟
أقول لك ببساطة، «وليد الإبراهيمى»- تاريخه معروف لدينا- ليس بعيدًا أبدا عن العاملين في قناة «العربية» وتحديدًا المذيعات، هو يعرفهم جيدا، يتحدث معهم ويتواصل، وإن لم يكن وراء البرنامج وفكرته، فحتما يعرف ما يتم تقديمه فيه.. ولذلك طرقه كثيرة.
هل نعلق الجرس في رقبة وليد الإبراهيمى مباشرة؟
إننى أفعل ذلك بالفعل.. لكن قبل أن نضعه أمام مسئولياته فيما يتعلق بموقف قناة «العربية» من مصر، وما يجرى فيها منذ رحيل الصحفى والإعلامي السعودى الكبير «عبدالرحمن الراشد» عنها، نتوقف قليلا عند «فارس بن خزام».
«فارس» الآن هو المسئول الأول والأكثر تأثيرًا في قناة «العربية»، ملفه معروف لدينا تماما، يكفى أن تعرف أنه كان عضوًا في تنظيم القاعدة، وحتى تسيطر عليه الحكومة السعودية فعلت فيه ما نترفع عن ذكره هنا، لكن يكفى أن تعرف أنها كسرت عينه تماما، حتى تأدب وعاد عن أفكاره المتطرفة، وإذا أنكر ذلك أو تنكر له، فما عليه إلا أن يراجع ملفه السياسي، فهو يعرفه أكثر منا.
منذ رحيل «عبدالرحمن الراشد» عن قناة «العربية» في نوفمبر 2014، والقناة تأخذ موقفًا مريبًا يقف وراءه «فارس» ضد مصر وما يحدث فيها، يكفى أن تتابع ما تقدمه وأنت تدرك أن هناك عقدة ليست سياسية فقط، لكن نفسية أيضًا، في معالجاتها للشأن المصرى.
قد يكون هذا حديث آخر، أعتقد أننا سنعود إليه قريبا، لكن الحادثة التي أمامنا، والتي تؤكد أن هناك استهدافا «منحطا» من قناة «العربية» لمصر وما يحدث فيها، تستحق أن نتوقف أمامها قليلا.
لقد شارك المصريون في المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات البرلمانية، وهم يدركون أن مستقبلهم يتحدد بمدى استقرارهم، هناك من يريد أن تتعطل السيارة كلية ولا تتقدم للأمام خطوة واحدة، هؤلاء يسخرون ممن شارك في الانتخابات، ويسخرون ممن اختارهم الشعب ليكونوا ممثلين له.
والسؤال: هل سخرت «نيكول تنورى» في برنامجها من نواب البرلمان القادم؟ أم أنها بالفعل سخرت ممن اختاروا هؤلاء النواب؟ السخرية هنا فيها إهانة بالغة لمن شارك في الانتخابات، فيها تعدٍّ على حق المواطنين في أن يختاروا من يمثلون.
هل يريد «وليد الإبراهيمى» أن يختار بنفسه النواب المصريين في البرلمان؟ فلماذا لا يطرح رؤيته في الانتخابات في بلاده؟ ولماذا لا يتحفنا برأيه- الذي يسوقه بلسان مذيعاته في قناته- في الحياة السياسية في المملكة؟
أعرف أن مصر ودورها وحجمها ودورها وحتى مشاكلها تجعلها كبيرة بأكثر مما يتحمل الكارهون لها، الذين يعتقدون أنهم يمكن أن ينالوا منها، رغم أن ما يفعلونه على الأرض ليس إلا مجرد غبار سرعان ما «نهشُّه» بعيدا عنا.
لن أطالب «وليد الإبراهيمى» باعتذار عما رددته مذيعته- المقربة- على الانتخابات المصرية، لكنى سأطالبه بأن يقف أمام نفسه في المرآة، ليرى مدى الوضاعة التي وصل إليها، ليقابل وجهًا قبيحًا، بتعديه على تجربة بلد هي الأهم والأكبر، بلد منحته الكثير وهو يعرف ذلك جيدًا، لكن يبدو أن «الإبراهيمى» غرته ثروته وقوته ونفوذه، فاعتقد أنه يمكن أن يكون مؤثرًا، أو يمثل رقما له قيمة على خريطة السياسة العربية.
لا أريد من أحد أن ينزعج، أو أن يتعامل بجدية مع ما تفعله قناة «العربية»، أنصحه فقط وهو يجلس مع مذيعاته يلقنهن ما يقلنَهُ في حق مصر، أن ينظر إلى مصير قناة «الجزيرة»، لقد صنع المصريون منها قناة خردة، بعد أن تيقنوا أنها تعمل ضد مصر ومصالحها، في يوم وليلة يمكن أن تتحول قناة «العربية» بالنسبة إلى المصريين إلى كيان هش ضحل هزلى بلا قيمة، وساعتها سيخسر «الإبراهيمى» كثيرًا، وهو يعرف معنى خسارة المصريين.
لا تمنحوا «نيكول تنورى» قيمة، فهى فعليا بلا قيمة، وإذا سألتَنى: وطالما أنها بلا قيمة فلماذا تهتم بما فعلته؟ سأقول لك: ببساطة.. نحن فقط نضع النقاط فوق الحروف، ونضع الأطراف جميعها أمام مسئولياتها، فمصر فعليا لا تنسى من وقف معها ومن وقف ضدها، هذا ليس كلاما، ولكنه فعل.. وإذا كان «وليد الإبراهيمى» صاحب التاريخ المعروف للجميع يريد السلامة، فليس عليه إلا أن يلم مذيعاته، فالملفات كثيرة ومفتوحة.