توقفنا فى المقال السابق عند اليوم الخامس للمعركة، وهو يوم الأربعاء الموافق ١٤ رمضان ١٣٩٣ للهجرة أو ١٠ أكتوبر ١٩٧٣، حيث أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن إجراء تغييرات كبيرة على أعلى مستوى داخل القيادة العسكرية، فى حين استمرت معارك الدبابات الضارية على أرض سيناء، وقد تميز ذلك اليوم بعمليات مطاردة واسعة قامت بها قواتنا فى عمق سيناء، وحينما حاولت القوات الجوية المعادية مهاجمة بعض قواعدنا الجوية، تصدت لها وسائل دفاعنا الجوى، وأجبرتها على الفرار، وقد بلغت خسائر إسرائيل فى ذلك اليوم ست طائرات وثلاث دبابات، وعددا كبيرا من المدافع ذاتية الحركة ومدافع الهاون، كما استولت قواتنا على ١٢ دبابة سليمة من طراز «إم -٦٠» وثلاث عربات مدرعة وعدد من الأسرى، بالإضافة إلى كميات من البنادق والرشاشات، وفى مساء ذلك اليوم قامت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل بمعاودة الاتصال بالرئيس الأمريكى نيكسون، وأخذت توضح له خطورة الموقف والحاجة الماسة لتدخل أمريكا، من أجل إيقاف إطلاق النار، وفى ذات الوقت مدها بكميات هائلة من السلاح، وهو نفس الطلب الذى كررته حين عاودت الاتصال به فى اليوم السادس للمعركة وهو اليوم الذى اعترف فيه موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى بالهزيمة واعتذر عن عدم استكمال المؤتمر الصحفى الذى عقده لشرح أبعاد الموقف وذلك لحضور اجتماع عسكرى ضم العديد من القادة والخبراء الذين قرروا أن يكون الغد ـ الخميس ١١ أكتوبر ـ يوما فاصلا، وبالفعل دفعت إسرائيل فى ذلك اليوم بكل ما لديها من قوات وأسلحة احتياطية، وشنت هجوما شاملا بمختلف الوحدات العسكرية، لكن رجالنا البواسل ضربوا أروع الأمثلة على التضحية والفداء، وكبدوا إسرائيل خسائر فادحة وأسروا المئات من جنوده، وأكدت كل التقارير العسكرية أن إسرائيل قد أصيبت فى ذلك اليوم بضربة قاضية لم تكن تتوقعها، حيث سقطت لها ١٥ طائرة، وأغرقت لها البحرية المصرية ثلاثة زوارق، وتم قتل مئات الجنود وتدمير عشرات الدبابات وفى مساء ذلك اليوم، تعالت الأصوات والصيحات داخل أروقة مجلس الوزراء الإسرائيلى، حيث اختلف القادة فيما بينهم، فذهب البعض إلى ضرورة إعلان إيقاف إطلاق النار والاعتراف بالهزيمة، وأن تخرج جولدا مائير عبر شاشات التلفاز لتعلن للعالم أجمع هزيمة إسرائيل وذهب البعض الآخر إلى ضرورة مواصلة الحرب، انتظارا للدعم الأمريكى، وانتهى الأمر بإقرار الرأى الثانى وحث الولايات المتحدة على تقديم طلب فورى لمجلس الأمن بوقف أعمال الحرب، وفى يوم الجمعة ١٢ أكتوبر خسرت إسرائيل ٢٢ طائرة و٢٨ دبابة وقامت قواتنا بتطوير الهجوم وتمكنت من تحرير مساحات جديدة من الأرض، وفى اليوم الرابع عشر من أكتوبر نجحت قواتنا فى تدمير ١٥٠ دبابة، واستطاعت قوات دفاعنا الجوى أن تسقط ٢٩ طائرة، ودارت أطول معركة جوية فى التاريخ والتى استمرت ٥٥ دقيقة، واشتركت فيها ثمانون طائرة إسرائيلية كانت تحاول الدخول للعمق المصرى، وتدمر الأهداف الحيوية بمصر، ولكن المهمة فشلت وتصدت قواتنا الجوية لهذه المحاولة، ونجحت فى إسقاط ١٢ طائرة من طراز فانتوم، وأجبرت الباقى على الفرار من سماء مصر دون عودة، وهنا وللمرة الثانية يعلن موشى ديان صراحة بأن إسرائيل تواجه هزيمة حقيقية، وعلى العالم أن يتدخل لحمايتها، وفى ١٦ أكتوبر توجه الرئيس السادات إلى مجلس الشعب مرتديا الزى العسكرى، ليعلن للعالم انتصار القوات المسلحة المصرية، وسيظل هذا الخطاب محفورا بداخل كل مصرى ولن ننسى صوته حين قال: «إن القوات المسلحة المصرية قامت بمعجزة على أعلى مقياس عسكرى وإن التاريخ العسكرى سوف يتوقف طويلا بالدرس والفحص أمام العملية التى قامت بها هذه القوات يوم السادس من أكتوبر، حيث تمكنت من اقتحام مانع قناة السويس الصعب، واجتياح خط بارليف المنيع وإقامة رؤوس جسور لها بعد أن أفقدت العدو توازنه فى ست ساعات»..وعمت الفرحة شوارع مصر ودوت الزغاريد وارتفع صداها لتصل إلى جنودنا على الجبهة، وأدركت إسرائيل أنها مهزومة لا محالة خاصة، أن الجيش المصرى يتقدم يوما بعد يوم ويحقق انتصارا عظيما يفوق الخيال، وظلت الاشتباكات مستمرة حتى أعلنت إسرائيل عن موافقتها على قرار مجلس الأمن الصادر يوم ٢٢ أكتوبر بوقف القتال والتزمت مصر أيضا بقرار مجلس الأمن ولكن للحديث بقية.
آراء حرة
أكتوبر العظيم "7"
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق