الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نحن المعاقين يا جهاد إبراهيم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يقال إن لكل منا نصيبا من اسمه ويبرز هذا المعنى فى شخصية إنسانة فريدة من نوعها هى الدكتورة جهاد إبراهيم التى لم أر أحدا يسمعها إلا ويصمت ويندهش وكأنه يستمع لإنسان من عالم لا نعرفه.. هى طاقة من الأمل والتفاؤل وحب الحياة.. عندما تبدأ جهاد فى الحديث تنساب الكلمات من فمها بلا توقف ولا تترك هدنة لسؤال وكأنها تعلم المأساة التى نحياها فى تعاملنا مع الحياة.. عندما تسمع عن المكتئبين والعاطلين عن العمل وتتعجب كيف يشتكى هؤلاء؟!.. وكيف لا يشعرون بكل النعم التى ينعمون بها والعطاء الموهوب من الله ولا يقدرونه؟!.. فتقول انظروا إلى أنفسكم ويتجسد فى كلماتها قول الحق «وفى أنفسكم أفلا تبصرون» فلك عين تبصر بها، ولك حواس يجب أن تستمتع بنعمها وأطراف تتحرك بها كيفما تشاء وهنا الوجع.. فقد ولدت جهاد معاقة أو كما تقول «معنديش رجلين ومن بيئة بسيطة» تتكلم عن أول كرسى متحرك حصلت عليه وأنه كان تبرعا.. تتكلم عن ضيقها وتضررها من إعاقتها وشكواها إلى الله «لمَ خلقتنى هكذا؟».. وشوقها لممارسة اللعب مع الأطفال، وتضحك على نفسها حين كانت ساخطة ولا تعرف نعمة الرضا.. تقول «تعلمت كيف أحب نفسى كما هى وأدللها وأشعر أننى ملكة متوجة وعندما أحببت نفسى ورضيت بها عرفت كيف أحب الحياة وأستمتع بها».. لم تعوقها إصابتها عن التعلم والاجتهاد حتى حصلت على أعلى الدرجات العلمية وأصبحت تقوم بالتدريس فى جامعة عين شمس وتعمل فى التنمية البشرية.. تحكى جهاد عن ظنها أنها لن تتزوج، ولكن أتى إليها شريك الحياة الذى أحبها كما هى ودق بابها وتقول «وافقت عليه بشروطى فهو يعرف أنه يتزوج ملكة وسعيد بها».. فهى فتاة ممتلئة بالحياة والحيوية والأمل وخفة الظل، ووجه مبتسم كل من يستمع إليها يتمنى مجالستها ساعة واحدة يوميا لتتغير حياته، وتبث حب العمل وقوة الإيمان.. وأتذكر ما يقال عن الشباب المحبط لأنه لم يأخذ حقوقه السياسية!! ولا أعرف ما هى الحقوق التى يريد أن يحصل عليها وهو يكرس حياته لعالم افتراضى يسرق عمره ويصيبه بالسخط وعدم الرضا!!.. فلعنة الموبايل والآى باد ومواقع التواصل الاجتماعى أصابت عقولنا وحولتنا إلى كائنات تعتقد أنها تمتلك العالم وهى متقوقعة ومتوحدة مع ذاتها، فتلك الوسائل نكبة أصابت البشرية بفعل من يريدون الاستحواذ على حكم الأرض.. ونرى الشباب يخضع لهوى نفسه ويدعى أنه لا يجد عملاً وهو ادعاء باطل فمن يريد العمل يجده ولكن ربما ليس بالراتب أو المكانة التى يتمناها ولكن «أول الغيث قطرة».. فكم من رجال أعمال يشتكون ندرة العمالة مما يدفعهم لاستجلاب عمالة صينية لأن أولادنا يضيقون من مشاق العمل أو قلة الراتب وكأنهم يتوقعون أن العمل وقت للترفيه وأن الشهادة التى حصلوا عليها لا بد أن تفتح لهم الخزائن.. وقد عانيت كثيرا من آباء وأمهات يطلبون العمل لأولادهم بإلحاح، ولأننى لست صاحبة عمل أتوسط لدى الآخرين لأفاجأ برفضهم للعمل لمبررات واهية مثل بعد المسافة أو اعتقادهم أن الراتب لا يستحق المعاناة رغم أنه يتناسب مع مؤهلاتهم، فأصيب بالإحراج والإحباط.. ولذلك أضيق بمن يقول إن هناك بطالة فمن يريد العمل يعمل، يسعى حتى يحصل على ما يريد.. وهذا ما تقوله جهاد التى تتعجب من الشكوى وتطالب أولا أن نحب أنفسنا وننظر إلى قدراتنا الداخلية التى تتحرك بالإرادة لنستطيع أن نفعل المعجزات.. وقد أسعدنى خبر فوز جهاد بكرسى البرلمان القادم وهو مكان تستحقه، وسأنتظر الاستماع إليها لأرى ما تقدمه من طلبات إحاطة أو مقترحات للتشريع.. جهاد إبراهيم نموذج لا بد أن يصدر خطابه للشباب المدلل الذى لا يشعر بقدراته الحقيقية ولا قيمته الجسدية والعقلية ويصدر للمرضى والمبتلين لتلهمهم الأمل الذى يقوى جهاز مناعتهم، ويصدر إلى كل دول العالم كنموذج للفتاة المصرية والتى نفخر بقصة كفاحها ونجاحها.. جهاد جاهدت كثيرا جهاد النفس والمجتمع لأنها صاحبة إرادة فولاذية معطاءة وراضية.. ولا أعلم كيف تغيب شاشات التليفزيون عن وجهها؟!!.. اتركوها أمام كاميرات التليفزيون لتوقظ العقول الغائبة والمتمردة وتلملم القلوب التائهة وتحرك الأيادى العاجزة عن العطاء والعمل.. وتبث الرضا فى النفوس الساخطة وتعلم الإيمان بالله والوطن وقدرة الإنسان، فقد تعبنا من المتأسلمين مدعى الإيمان ومن المتعلمين مدعى الثقافة، وتعبنا من همز ولمز المسيطرين على الإعلام، ومن رتابة الفنون السطحية ومن الفجاجة والإباحية، لقد ضقنا بالمتنطعين ومن تكرار خطاباتهم المملة أو الممولة، أو خطاب الفهلوة واللعب بالبيضة والحجر، والأكل على كل الموائد ومغازلة كل الأنظمة، غيروا الوجوه وأسلوب الخطاب.. نريد دماء جديدة وتجارب حية ونفوس راضية مطمئنة.. فهى تعلمت لتعلم غيرها، ورضيت وتحاول أن ترضينا جميعا، وتخلق داخل اليائسين والبائسين حب الحياة وقوة الإيمان والإرادة والإصرار على النجاح وهو ما يجعل مجتمعنا ينتقل من حالة التلاسن والسخط التى أصابت الكثيرين إلى مجتمع فاعل ومنتج، فهنيئا لها نعمة الرضا وكفى بها نعمة.