كنا فى نوفمبر ٧٠ عندما جاءنى صبحى، وقال إن نادى الطلبة الوافدين يريد تقديم مسرحية يشترك فيها كل الطلاب العرب فهل لديك فكرة مسرحية تنفع لهم؟
قلت: إن عندى فكرة عن طلبة عرب يدرسون فى أمريكا، وتعرض صراعهم مع الأجانب ومشاكلهم مع بعضهم البعض. وقلت لنفسى إنه من الممكن كتابتها الآن بعد أن توفى عبدالناصر وخفت حدة رقابته.
ولدهشتى، أعجبتهم الفكرة، وفى أيام قليلة كتبت أول مشهدين قصيرين، وكان الديكور يظهر تمثال الحرية من وراء شرفة واسعة. والتقيت مجموعة الطلبة وقرأتها عليهم لجس نبضهم حيال موضوعها ودهشت عندما لم يعترض أحد من الطلبة، وأظهروا إعجابهم رغم أنها تنتقد الأجانب، وكل الشخصيات العربية بما فيها شخصية المصرى. قلت لنفسى ثانية إن الرقابة قد تسمح بها خصوصا أنها ستعرض لمرة واحدة أو أيام قليلة وكل الممثلين من الهواة. وبعد قراءة النص لهم مرتين عدت وفكرت أن البعض، ولا بد قد يتراجع عن تمثيلها بصفة خاصة العراقى والسورى والخليجى على أقل تقدير، ولو أنهم لم يعلنوا هذا، لذلك أغلقت هذا الملف قبل أن أصطدم بالواقع. وأجلتها إلى حين ميسرة، انتظارا أن تعرض يوما فى زمن لا أعرفه، وهكذا تعاملت مع المسرحية كأننى الرقيب الذى حكم برفضها بدلا منهم! ورغم أن صبحى تضايق من عدم تكملتها.
وأقفز إلى عدد من السنوات عندما حانت فرصة لأن ينتجها اتحاد الفنانين العرب، وكان يرأسه سعد الدين وهبة، ولما عرف من زوجتى بأمر مسرحيتى طلب النص، لكنى أشفقت على نفسى من جهد الكتابة، فكتب ملخصا لها، وكان الاتحاد قد قدم قبلها مسرحيات مثلها ممثلون من بلاد عربية كثيرة. وحدث ما لم أكن أتوقعه، فقد وافق سعد الدين على الملخص، وكان معنى هذا أنها جديرة بأن أنشغل بها، لكننى تقاعست، لأننى فكرت، فرأيت أننى لا بد سأصطدم بعقبات كثيرة، وأن الأفضل أن يظهر العمل بواسطة ممثلين مصريين ومن الهواة، وبعيدا عن جهات مثل اتحاد الفنانين العرب، بل بعيدا عن مسرح الحكومة أو حتى المسرح الخاص. باختصار أحسست أن الوقت ليس مناسبا بعد. وإن كنت لا أعلم من ينتجه إذن ومتى؟ وكان اسم هذه المسرحية «بالعربى الفصيح»، التى عرضت فى ٣ نوفمبر ٩١، وأحدثت دويا فى مصر والبلاد العربية والغرب كله!
وبعد مرور السنين أفخر بأننى أجلت عرضها! ولكن هذه قصة أخرى سيأتى ذكرها بتفصيل، لأنها تستحقه.
لكن وقد انقطع مرتبى من العمال أصبحت مفلسا، وأجور التمثيليات التى أكتبها هزيلة للغاية، هذا إذا أفلتت من الرقابة، ورغم أننى كنت بدأت أكتب فى سباعية «امرأة متمردة» التى ذكرتها، وحولت قصة لى كنت نشرتها إلى مسرحية قصيرة وبروفاتها فى قصر ثقافة الطفل وبلا أجر لى أو أجور للممثلين الهواة.
ومع ذلك قدمت أوراقى إلى الدراسات العليا فى الأكاديمية، وبالطبع رسبت فيها بفعل فاعل أى عن تعمد لكننى لم أحزن. فقد كنت أشغل نفسى بالكتابة طيلة الوقت كتابة أفكار لتمثيليات ومسلسلات للتليفزيون وأفكار لمسرحيات دون أن أفكر متى أجد من يتحمس لها، ومن ينتجها، وقد ظهر أغلب هذه المسرحيات بعد وقت طويل، لكن بعضها ظهر سريعا. وكنت قد تعرفت على كثير من مخرجى التليفزيون. وبدأت أتعرف إلى بعض الممثلين، ثم فكرت أنا وصبحى أن نؤسس استوديو للتمثيل المسرحى لتدريب طلبة من المعهد ومن الهواة، ونقدم من خلاله عروضا مختلفة وأولها «العنكبوت والذبابة» التى كتبتها لنقدمها على واجهة المعهد وسلالمه، وأصبحنا نلتقى كثيرا ونفكر فى هذا المشروع ومشروعات أخرى لا تنتهى، وكنا نجلس فى دور ثان بقهوة فى ميدان الأزهار بباب اللوق، وكل منا لا يبقى فى جيبه قرشا بعد دفع ثمن القهوة والسجائر. بينما يجلس عليها أغلب الدفعة فى الدور الأول، ويضحكون على الوقت الذى نضيعه هدرا مع أنهم لا يفعلون شيئا غير انتظار من يأتى ليطلبهم فى عمل ولو فى دور كومبارس.
وكان من الطبيعى أن يرفض رشاد رشدى أن يعرض صبحى «العنكبوت والذبابة» فقط، لأنها من تأليفى، وهو ما كنت أتوقعه، مع أننى لم أقابله أبدا طيلة السنة التى تخرجت فيها، أو بعدها.
ولكن ليس كل ما يشتهى المرء يلقاه، فقد كان صبحى عنيدا فى أمر الحضور للتجارب والبروفات، فبدأ أعضاء الفرقة يتغيبون كلما جاءها عمل. وقدرت عذرهم، لكن صبحى لم يقدره. وذهبت يوما فلم أجد إلا شخصا، وقد ترك صبحى لى ورقة بأنه يعتذر، لأنه سيمثل مع فرقة متجولة لبعض الوقت!
وكانت هذه نهاية فرقة استوديو الممثل.