ما الذي يمكن أن تشاهده وأنت تطل على مصر من فوق، وأنت تضع ما يحدث فيها وما يدور على أرضها أمامك، دون وسيط يلوّن لك الأخبار، ويروى لك سيرة الرجال على هواه، ويتعمّد طمس الحقائق وتزييفها، ليصل بك إلى النتيجة التي يريدها، ويتحكم في حكمك على الأشياء، فلا ترى إلا بعينيه، ولا تسمع إلا بأذنيه؟
من المؤكد أنك ستشاهد سيركًا كبيرًا، حيواناته تؤدى فقراتها دون مدرب محترف، ولذلك تسود لغة العبث، وتتحول الألعاب التي من المفروض أن تكون منضبطة إلى مجرد تهريج.
في مصر وحدها يصبح المدلّس الحقوقى صحفيًّا حقوقيًّا، يريدنا البعض مكرهين أن نتعامل معه على أنه «سيمور هيرش» المصرى، رغم أن إنتاجه الصحفى متهافت يعتمد على الأكاذيب والانحياز الأعمى، ويمكن لطالب في أولى «إعلام» أن يكتشف هزال ما يكتبه وينشره، وبدلًا من أن نضعه في حجمه، نمنحه فرصة أن يتحول إلى بطل يلتف حوله المتنطعون، لتتأكد تمامًا أننا - فعلا - في زمن المسخ.
في مصر وحدها يُصرّ مناضل نظرى على كتابة مقال أسبوعى، ونشر «بوستات» سمجة لا تختلف كثيرًا عن شخصيته، ثم يقول بتعالٍ إنه لا يريد أن يكون جزءًا من المشهد الإعلامي، دون أن يدرك أنه كان واحدًا من الذين ساهموا بدأب في إفساد هذا المشهد بمهنيته الزائفة، واعتقاده أنه الوحيد الذي يفهم في الإعلام، ولا بد أن يسمع له الجميع.
في مصر وحدها تجد وزراء مرتعشين بلا خبرة ولا كفاءة ولا كاريزما ولا أفكار، ولا قدرة على العمل، لا يتحركون إلا بتعليمات السيد الرئيس. كثيرون منهم يدخلون الحكومة بلا مبرر، ويخرجون منها بلا مبرر، فهم فاسدون سياسيًّا، ولم نستشف منهم شيئًا اللهم إلا إفساد حياتنا بتصريحاتهم العبثية وتصرفاتهم الهمجية، فوزير الرى لا يحسن التصرف في سد النهضة، ويتفرغ لمقاضاة معارضيه، ووزير الإسكان يترك قرى كاملة تغرق، بينما يهتم ببناء العاصمة الإدارية الجديدة، ورئيس الوزراء بدلا من أن يساند وزير التعليم في قرار يعيد من خلاله الانضباط إلى المدارس، يلغى القرار ويجعل منه عدمًا.
في مصر فقط تسقط طائرة، فتقوم دول العالم بإجراءات احترازية لحماية رعاياها، فنتعامل مع الموضوع على أنه مؤامرة كبرى، دون أن نراعى أننا فعلنا الأمر نفسه مع الأمريكان بعد أحداث ١١ سبتمبر، فلم تعاود طائراتنا رحلاتها إلى هناك إلا بعد أسبوعين.
في مصر وحدها، وبدلًا من أن نتعامل مع الأمور بحكمة، نلجأ إلى «الأفورة» التي أصبحت منهج حياة، نزحف فرادى وجماعات إلى شرم الشيخ، نبث من هناك بعض البرامج، ونلتقط بعض الصور للتأكيد على دورنا في حب مصر ومساندتها، وبعد أيام قليلة نعود، لنترك المدينة تمرح فيها الأشباح.
في مصر وحدها يجلس مذيع شهير، وأضواء شرم الشيخ تسطع من ورائه، دون أن يفكر - ولو للحظة - أن ينقل هذا المشهد إلى محافظة البحيرة الغارقة، وكان الأولى أن ينتقل الإعلام إلى القرى التي تهدمت، ليشعر عباد الله الفقراء أن هناك من يحنو عليهم، ويقول لهم «نحن موجودون إلى جواركم، ولن نترككم أبدًا».
في مصر وحدها يمكن أن تقابل معارضين يملكون الملايين، ويعيشون حياة الملوك، أحد المعارضين الكبار خرج من عصر مبارك، وهو مليونير، وبعد الثورة أكمل رحلته في حصد الملايين.. فأى معارضة هذه التي يقبض أصحابها الثمن؟ لكن من قال لكم إن هذه معارضة من الأساس.
في مصر وحدها تجد صحفًا تصدر كل صباح متشابهة، لا جديد فيها ولا إبداع، تخالف كل المعايير والمواثيق والأخلاقيات، ثم يخرج علينا من بنى جلدتنا من يتحدث عن الشرف، فالملهاة الكبرى أن تغوص بقدميك في مستنقع فساد عفن، ثم تتحدث أنت عن فاسدين آخرين.
في مصر وحدها، يتحول الشباب الجاهل إلى منظّرين سياسيين، ومناضلين على صفحات الـ«فيس بوك»، يلعنون كل شىء، ويرفضون كل شىء، ويسخرون من كل شىء، وعندما تبحث عندهم عن بديل يقدمونه لما يرونه خرابًا، لا تسمع منهم جملة واحدة مفيدة.
في مصر وحدها، تجد معارضين من الخارج، يجلدون مصر ومن يخالفهم، وهم يجلسون في غرف الفنادق المكيفة، يحصلون على ثمن معارضتهم لمصر مقدمًا من دول معادية، لا يريدون أن يتكلموا سوى في إطار ثمن مواقفهم، على الأقل لتحترمهم، أو لتشعر بالصدق فيما يقولونه، وعندما تعترض طريق أحدهم يتهمك بما ليس فيك، يصادرون منك حرية الخلاف معهم، رغم أنهم يطالبون لأنفسهم بهذه الحرية ذاتها.
في مصر فقط تحوّل الأدب إلى سلعة بلا قيمة، لأن من تتصدر كتبهم الأكثر مبيعًا، لا يقدمون شيئًا له قيمة، وأصبحت الكتابة ومضات كالأزياء تمامًا، تنتهى موضة الأدب الساخر رغم سماجة من يكتبونه إلا قليلا، لتبدأ موضة كتابة أدب الرعب التي كشفت سطحية من يكتبون وهزالهم، وتنتهى موضة الكتابات الجنسية المجردة، لتتوقف تقريبًا حركة النشر في مصر، فلا أحد ينتج كتابًا محترمًا، ودلّونى على كتاب واحد له قيمة، صدر في مصر منذ سنوات، فكلنا متهافتون.
في مصر وحدها سطا رجال الأعمال على كل شىء، كونوا ثرواتهم بالحرام قبل الحلال، وبالنصب قبل القانون، وبالحيلة قبل العمل، وبدلا من أن يتعامل معهم النظام بحزم، تجده يراوغ معهم، ويسند بكتفيه على الغلابة، يريد أن يجردهم حتى من لقمة عيشهم البسيطة، فيثقل كاهلهم بالضرائب، بينما يدخل في مفاوضات مع أباطرة المال، على أمل أن يستعيد منهم ما سبق أن نهبوه.
وفى مصر وحدها يخرج الملايين ليعزلوا حاكمًا فاشلًا، يهتفون لمنقذهم الذي انحاز إليهم، ينزلون بالعدد الكافى ليختاروه رئيسًا، لكنهم لا يشاركون بفاعلية في اختيار برلمانهم، فكأنهم فوضوه، ثم جلسوا في بيوتهم ينتظرون نتيجة معركته التي قرروا أن يتركوه فيها وحده.
كل شىء في مصر يدعو إلى الحيرة والقلق... تشعر طول الوقت أننا بالفعل لا نستحق مثل هذا الوطن، فلا هم لنا إلا تمزيقه... ولا هم لنا إلا تخريبه، نفعل ذلك ونحن نتحرك في السيرك الكبير، دون أن يسمع منّا الآخر، فكل منّا لا يريد أن يسمع إلا صوته... فاللهم سلّم.
من المؤكد أنك ستشاهد سيركًا كبيرًا، حيواناته تؤدى فقراتها دون مدرب محترف، ولذلك تسود لغة العبث، وتتحول الألعاب التي من المفروض أن تكون منضبطة إلى مجرد تهريج.
في مصر وحدها يصبح المدلّس الحقوقى صحفيًّا حقوقيًّا، يريدنا البعض مكرهين أن نتعامل معه على أنه «سيمور هيرش» المصرى، رغم أن إنتاجه الصحفى متهافت يعتمد على الأكاذيب والانحياز الأعمى، ويمكن لطالب في أولى «إعلام» أن يكتشف هزال ما يكتبه وينشره، وبدلًا من أن نضعه في حجمه، نمنحه فرصة أن يتحول إلى بطل يلتف حوله المتنطعون، لتتأكد تمامًا أننا - فعلا - في زمن المسخ.
في مصر وحدها يُصرّ مناضل نظرى على كتابة مقال أسبوعى، ونشر «بوستات» سمجة لا تختلف كثيرًا عن شخصيته، ثم يقول بتعالٍ إنه لا يريد أن يكون جزءًا من المشهد الإعلامي، دون أن يدرك أنه كان واحدًا من الذين ساهموا بدأب في إفساد هذا المشهد بمهنيته الزائفة، واعتقاده أنه الوحيد الذي يفهم في الإعلام، ولا بد أن يسمع له الجميع.
في مصر وحدها تجد وزراء مرتعشين بلا خبرة ولا كفاءة ولا كاريزما ولا أفكار، ولا قدرة على العمل، لا يتحركون إلا بتعليمات السيد الرئيس. كثيرون منهم يدخلون الحكومة بلا مبرر، ويخرجون منها بلا مبرر، فهم فاسدون سياسيًّا، ولم نستشف منهم شيئًا اللهم إلا إفساد حياتنا بتصريحاتهم العبثية وتصرفاتهم الهمجية، فوزير الرى لا يحسن التصرف في سد النهضة، ويتفرغ لمقاضاة معارضيه، ووزير الإسكان يترك قرى كاملة تغرق، بينما يهتم ببناء العاصمة الإدارية الجديدة، ورئيس الوزراء بدلا من أن يساند وزير التعليم في قرار يعيد من خلاله الانضباط إلى المدارس، يلغى القرار ويجعل منه عدمًا.
في مصر فقط تسقط طائرة، فتقوم دول العالم بإجراءات احترازية لحماية رعاياها، فنتعامل مع الموضوع على أنه مؤامرة كبرى، دون أن نراعى أننا فعلنا الأمر نفسه مع الأمريكان بعد أحداث ١١ سبتمبر، فلم تعاود طائراتنا رحلاتها إلى هناك إلا بعد أسبوعين.
في مصر وحدها، وبدلًا من أن نتعامل مع الأمور بحكمة، نلجأ إلى «الأفورة» التي أصبحت منهج حياة، نزحف فرادى وجماعات إلى شرم الشيخ، نبث من هناك بعض البرامج، ونلتقط بعض الصور للتأكيد على دورنا في حب مصر ومساندتها، وبعد أيام قليلة نعود، لنترك المدينة تمرح فيها الأشباح.
في مصر وحدها يجلس مذيع شهير، وأضواء شرم الشيخ تسطع من ورائه، دون أن يفكر - ولو للحظة - أن ينقل هذا المشهد إلى محافظة البحيرة الغارقة، وكان الأولى أن ينتقل الإعلام إلى القرى التي تهدمت، ليشعر عباد الله الفقراء أن هناك من يحنو عليهم، ويقول لهم «نحن موجودون إلى جواركم، ولن نترككم أبدًا».
في مصر وحدها يمكن أن تقابل معارضين يملكون الملايين، ويعيشون حياة الملوك، أحد المعارضين الكبار خرج من عصر مبارك، وهو مليونير، وبعد الثورة أكمل رحلته في حصد الملايين.. فأى معارضة هذه التي يقبض أصحابها الثمن؟ لكن من قال لكم إن هذه معارضة من الأساس.
في مصر وحدها تجد صحفًا تصدر كل صباح متشابهة، لا جديد فيها ولا إبداع، تخالف كل المعايير والمواثيق والأخلاقيات، ثم يخرج علينا من بنى جلدتنا من يتحدث عن الشرف، فالملهاة الكبرى أن تغوص بقدميك في مستنقع فساد عفن، ثم تتحدث أنت عن فاسدين آخرين.
في مصر وحدها، يتحول الشباب الجاهل إلى منظّرين سياسيين، ومناضلين على صفحات الـ«فيس بوك»، يلعنون كل شىء، ويرفضون كل شىء، ويسخرون من كل شىء، وعندما تبحث عندهم عن بديل يقدمونه لما يرونه خرابًا، لا تسمع منهم جملة واحدة مفيدة.
في مصر وحدها، تجد معارضين من الخارج، يجلدون مصر ومن يخالفهم، وهم يجلسون في غرف الفنادق المكيفة، يحصلون على ثمن معارضتهم لمصر مقدمًا من دول معادية، لا يريدون أن يتكلموا سوى في إطار ثمن مواقفهم، على الأقل لتحترمهم، أو لتشعر بالصدق فيما يقولونه، وعندما تعترض طريق أحدهم يتهمك بما ليس فيك، يصادرون منك حرية الخلاف معهم، رغم أنهم يطالبون لأنفسهم بهذه الحرية ذاتها.
في مصر فقط تحوّل الأدب إلى سلعة بلا قيمة، لأن من تتصدر كتبهم الأكثر مبيعًا، لا يقدمون شيئًا له قيمة، وأصبحت الكتابة ومضات كالأزياء تمامًا، تنتهى موضة الأدب الساخر رغم سماجة من يكتبونه إلا قليلا، لتبدأ موضة كتابة أدب الرعب التي كشفت سطحية من يكتبون وهزالهم، وتنتهى موضة الكتابات الجنسية المجردة، لتتوقف تقريبًا حركة النشر في مصر، فلا أحد ينتج كتابًا محترمًا، ودلّونى على كتاب واحد له قيمة، صدر في مصر منذ سنوات، فكلنا متهافتون.
في مصر وحدها سطا رجال الأعمال على كل شىء، كونوا ثرواتهم بالحرام قبل الحلال، وبالنصب قبل القانون، وبالحيلة قبل العمل، وبدلا من أن يتعامل معهم النظام بحزم، تجده يراوغ معهم، ويسند بكتفيه على الغلابة، يريد أن يجردهم حتى من لقمة عيشهم البسيطة، فيثقل كاهلهم بالضرائب، بينما يدخل في مفاوضات مع أباطرة المال، على أمل أن يستعيد منهم ما سبق أن نهبوه.
وفى مصر وحدها يخرج الملايين ليعزلوا حاكمًا فاشلًا، يهتفون لمنقذهم الذي انحاز إليهم، ينزلون بالعدد الكافى ليختاروه رئيسًا، لكنهم لا يشاركون بفاعلية في اختيار برلمانهم، فكأنهم فوضوه، ثم جلسوا في بيوتهم ينتظرون نتيجة معركته التي قرروا أن يتركوه فيها وحده.
كل شىء في مصر يدعو إلى الحيرة والقلق... تشعر طول الوقت أننا بالفعل لا نستحق مثل هذا الوطن، فلا هم لنا إلا تمزيقه... ولا هم لنا إلا تخريبه، نفعل ذلك ونحن نتحرك في السيرك الكبير، دون أن يسمع منّا الآخر، فكل منّا لا يريد أن يسمع إلا صوته... فاللهم سلّم.