أشفق كثيرًا على الرئيس عبدالفتاح السيسى لتحميله مهام ربما تفوق طاقته كبشر، لكننا فيما يبدو ما زلنا مرتبطين بنموذج الرئيس القائد المسئول عن إدارة كل تفاصيلنا، وأحيانًا الشخصية منها.
لذلك لست متأكدًا تمامًا من صلاحية المواد الدستورية التي قلصت من اختصاصات الرئيس ووزعتها بين البرلمان والحكومة؛ فنمط الدولة المركزية لا يزال يتمتع بحضوره في وجدان المصريين.
وظنى أن الحديث عن لا مركزية الإدارة المحلية ضرب من ضروب السفسطة والجعجعة التي بلا طحين؛ وسيظل الحال كذلك حتى تسترد الأمة المصرية منظومة قيمها الأخلاقية التي جبلت عليها مع بناء الحضارة الفرعونية القديمة.
ليس ذلك كلاما مرسلا، بل إن معظم خطابات الرئيس السيسى منذ ترشح للرئاسة وحتى خطابه الأخير ميزت بتركيزها على ضرورة استعادة منظومة القيم والأخلاق حتى نكون شعبًا منتجًا يقدر قيمة إحسان العمل وإتقانه.
ما جرى في الإسكندرية والبحيرة وبعض محافظات الدلتا بسبب الأمطار الغزيرة يكشف مدى التفسخ القيمى والانهيار الأخلاقى الذي ساد مجتمعنا؛ فليست أنهار الصرف الصحى وكابلات الكهرباء التي صعقت المواطنين إلا تجسيدًا عمليًّا لفساد الذمم، وكأننا صرنا نعيش في خرائب تعفنت فيها ضمائرنا واستحالت إلى جيف صنعناها بأيدينا واليوم فقط ندركها ونتأفف من رائحتها. الرئيس ربما أشار إلى هذه الحقيقة عندما تحدث عن وجود ٦٠ ألف عقار مخالف بنى في الإسكندرية خلال الخمس سنوات الماضية فقط، ولا أظن أننا بحاجة لانتظار هطول أمطار غزيرة في باقى محافظات الجمهورية حتى نعرف حجم الفساد في معظم إن لم تكن كل المحليات.
انهيار الأخلاق أحال المطر مصدر الخير والنماء إلى كارثة تفضح عورة الذمم، وليست تلك الفضيحة هي الوحيدة ربما تكون الأبرز، فثمة فضائح جانبية أخرى لم تنل حظها من الظهور الإعلامي، عبر عنها لى بعض أصدقائى الذين يمتلكون شركات أعمال متوسطة بغير قصد، فقد أفصحوا أن نشاط الرقابة الإدارية في معظم الوزارات عقب كشف قضية فساد وزارة الزراعة تسبب في وقف بعض أعمالهم، لأن الموظفين المرتشين توقفوا عن أداء أعمالهم العادية ليس فقط الخارجة عن القانون خشية النشاط الرقابى.
فضيحة جانبية أخرى تجسدت في رد فعل أولياء أمور طلاب المدارس في محافظة الشرقية الذين تظاهروا ضد قرار المحافظ النشيط د. رضا عبدالسلام بغلق مراكز الدروس الخصوصية وفتح فصول المدارس وقاعات مراكز الشباب أمام المجاميع منخفضة التكاليف وتحت إشراف وزارة التربية والتعليم. أولياء الأمور والطلاب ثاروا ضد قرار المحافظ لعلمهم أن المدرس قد يحجب درجات أعمال السنة، كما أنه لم يخلص في عمله من خلال مجاميع يربح منها بالقدر المعقول.
للأسف يبدو وكأننا مجتمع استقر في مستنقع الفساد الذي أصبح جزءا من منظومة قيمه وآلية ونمط تفكيره، لذلك لم يعد الحديث عن تجديد الخطاب الدينى رفاهية، ويجب أن نعترف أن كل مصادره وفى القلب منها الأزهر الشريف عاجزة عن إصلاح منظومة القيم الأخلاقية ولا بد لها من تغيير بداخلها يشمل كل عناصرها. لكن يبقى على الرئيس مهمته العاجلة لأنه مقبل على مشروعات قومية بات الأمل في نجاحها محفوفا بالشكوك وعلامات الاستفهام بعد هذا الخراب الكبير الذي تكشف في الضمائر والذمم؛ إنفاذ القانون وبكل حسم في مواجهة كل موظف فاسد اشترك في إصدار ترخيص مخالف أو إهمال دورة صيانة واجبة، والزج بهم في السجون ولو اكتظت وشكت من أعدادهم، ومصادرة أموال كل من يثبت تورطه في مخالفة مهما قل شأنها لتستثمر هذه الأموال في إصلاح ما أتلفوه وأهملوه ليس ذلك فحسب وإنما يتم فضح وتجريس كل الفاسدين صغارهم وكبارهم في برنامج يخصص لهذا الغرض في التليفزيون الرسمى للدولة على غرار ما يحدث مع بعض رجال الأعمال الفاسدين.
إعادة تأهيل الموظفين الشرفاء في مراكز ومؤسسات علمية مختصة وأن تشرف مؤسسة الجيش على تنظيم دورات في التربية الوطنية والانضباط حتى لا يصبح الجيش المؤسسة الوطنية الوحيدة التي يثق الناس في أدائها ويلجئون إليها وقت الشدة. ليس من المقبول أن يتكرر مشهد تدخل القوات المسلحة والشرطة في نزح مياه الأمطار والصرف الصحى.