تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
تتمثّل أهم تلك الشروط في شرطين متكاملين: ترسيخ الإحساس بالقهر والتهديد من ناحية، وتحقير السبل السلمية للمقاومة من ناحية أخرى، وغني عن البيان أن ما يعنينا بحكم التخصص الأكاديمي هو مدى تجسّد هذين الشرطين في وعي أبناء الجماعة، بعبارة أخرى فإن القهر والتهديد في حد ذاتهما سواء كانا قهرًا أو تهديدًا اقتصاديًّا أو عقائديًّا أو فكريًّا أو سياسيًّا، لا يحدثان أثرهما النفسي إلا إذا توافر الوعي بهما، وكذلك الحال بالنسبة إلى افتقاد السبل السلمية للتحرّر، فهو أمر نسبي كذلك، ومن ثَم يتوقف تأثيره على درجة الوعي به.
ويبقي بعد ذلك أن يتوافر شرط ثالث لا يقل أهمية، وهو توافر القيادة المنظّمة التي تتولى ترسيخ الإحساس بالقهر والتهديد، وبأنه لا سيبل للخلاص سوى بتوجيه أقصى درجات العنف إلى ذلك “,”الآخر القاهر“,”، ومن ثَم يتم من خلال تلك القيادة المنظمة تشكيل صورة إدراكية لذلك الآخر، تتمثّل أهم ملامحها في ما يلي:
1- أن الآخر إنما يستهدف إفناءنا، ومَن يقول منا بغير ذلك فإنه إمّا عميلٌ مأجور، أو ساذج جاهل، فليس من المنطقي أن يوجد شخصٌ عاقل نزيه، يمكن أن يقبل بتلك الترّهات التي يزعمها الآخر.
2- لم يعد الحوار مع الآخر مجديًا، قضيتنا واضحة، وقد استنزفنا معه كل إمكانيات الحوار، إنه لا يفهم إلّا لغة القوّة، إنه البادئ بالعدوان، والتفاهم معه لا يعني سوى الضعف والتخاذل.
3- الآخر هو الخارج على الأصول الصحيحة: الشرعيّة القانونيّة، الإسلام الصحيح، الاشتراكيّة الصحيحة، المسيحية الصحيحة، الشريعة اليهودية الصحيحة، القانون الدولي، قوانين حقوق الإنسان.. إلخ. المهم أنه هو الخارج دومًا عن الأصول، ونحن الملتزمون دومًا بتلك الأصول.
4- لا يمثّل أبناء جماعتنا الذين يختلفون معنا في موقفنا من الآخر إلّا أقليّة، أمّا الغالبيّة، فإنها تتعاطف معنا بكل تأكيد. نحن المعبرون الشرعيون عن جماعتنا، وأي مؤشّرات تشير إلى غير ذلك فإنها -أيا كانت- مجرّد زيف.
5- مهما قال الآخر، أو حتى فعل، لكي يوهمنا بأنّه قد تغيّر، فإنه يظل في جوهره كما هو يسعى لتدميرنا.
6- يريد لنا الآخر الاغتراب عن تاريخنا، تذويبًا في عالم غريبٍ عنّا، أو انسحابًا إلى ماضٍ لم تعُد لنا علاقةٌ به.
7- لا ينبغي أن نفرّق في مواجهتنا لهم بين “,”المفكّرين“,” و“,”المنفّذين“,”، أو بين “,”الموافقين“,” و“,”المعارضين“,”، أو بين “,”المدنيين“,” و“,”العسكريين“,”، فالجميع سواء، وكلهم أعداء، بل ولعلّ ما يبدونه من تنوّع في المواقف ليس سوي نوع من الخديعة.
8- ينبغي أن ننقّي صفوفنا من أولئك المتخاذلين الذين يدعون إلى حوارٍ مع أعدائنا. إنّهم إمّا سُذّجٌ مضلّلون، أو عملاءٌ مندسّون، أو ضعافٌ ترعبهم المواجهة الشاملة.
الأمر يرجع في النهاية إلى الوعي أو بعبارة أخرى إلى كيفية رؤية أعضاء الجماعة لأنفسهم وللآخرين، ولذلك ينبغي أن لا نتعجّب إذا رأينا فردًا أو جماعة تصل إلى السلطة وتمسك بمقاليد الأمور، وتظل رغم ذلك محتفظة بعشقها للخفاء، والتحسّب من الآخرين، والولع بمنطق المؤامرة التي تُحاك لها. ومن هنا فإن الجماعة الإرهابية إذا ما تمكّنت من السلطة وبدا أنها نالت غايتها تظل في أغلب الأحوال على إرهابيتها المعهودة.