الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عفوًا جلال أمين.. جيشنا ليس "عسكر"!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سعدت كثيرًا بحضور الصالون الفنى والثقافى الذى يقيمه الطبيب وعالم المصريات الفاضل د.وسيم السيسى بمنزله فى الجمعة الأخيرة من كل شهر، والذى يقوم بتنظيمه، ووضع برنامجه الثرى ويضم نخبة من المثقفين والكتاب الذين يتحدثون فى موضوعات منوعة فى شكل ندوة يديرها د.وسيم ويتخللها فقرات فنية، وقد تضمن الصالون الأخير موضوعات عديدة كان من أهمها «ماذا حدث للثقافة المصرية» والذى تناوله د.جلال أمين أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، أحد كتاب جريدتى «الأهرام» و«الشروق»، حيث قام بتحليل المشهد الثقافى فى مصر منذ ١٩٣٥ وحتى الآن وقارن بين الأدباء والكتاب والنقاد والفنانين فى الماضى والحاضر، وذكر العديد من الأمثلة التى تدل على أن المشهد الثقافى كان ساطعا وبديعا رغم انتشار الفقر والأمية، وأن الناس كانت تتذوق الأغانى التى كتبها أحمد شوقى وحافظ إبراهيم رغم صعوبة الشعر، ولكنه بدأ فى سرد معالم التدهور وكان من بين الأمثلة أغنية أم كلثوم «حب إيه إللى أنت جاى تقول عليه» التى يرى أنها حولت الحب إلى «خناقة»، واستمر فى عرض العديد من النماذج لكتاب وفنانين تدل على أن المشهد الثقافى كان لا يزال متماسكا حتى عام ١٩٩٥ حيث يرى أنها بداية الانهيار الحقيقى، وإن كان قد وجد فى السنوات الأخيرة من حكم الرئيس مبارك بعض اللمحات المضيئة التى تمثلت فى (بهاء طاهر، وعلاء الأسوانى) فى الأدب و«يحيى الفخرانى» فى المسرح، الذين وصفهم بأنهم نبت شيطانى وليس نتيجة للمناخ العام!!.. وقد استوقفنى إعجابه بالأغانى الوطنية التى ظهرت عقب ٢٥ يناير رغم أنها جميعا اختفت ولم تستطع أن تحفر لنفسها مكانا فى ذاكرة المصريين، ثم سخريته من أغنية «بشرة خير» التى رقص عليها المصريون والعرب وعبرت عن فرحتهم بعودة مصر لأحضانهم من جديد بعد إزاحة حكم الإخوان، والتى ادعى أنها الأغنية الوحيدة التى ظهرت بعد ٣٠ يونيو وغناها إماراتى هو الفنان حسين الجسمى، رغم أن هناك العديد من الأغانى الوطنية الرائعة التى أعقبت ٣٠ يونيو وكان أغلبها من ألحان عمرو مصطفى الذى كرس نفسه للأغنية الوطنية خلال الخمس سنوات الأخيرة، كذلك اندهشت من إعجابه بمشاهد الرسم على أسوار المبانى ودهان الرصيف!!.. ولا أعلم كيف لم ينزعج من تلوين الرصيف بألوان العلم لنظل ندوسه بالأقدام بدلا من أن يظل مرفوعا وخفاقا، كذلك الرسوم التحريضية التى شوهت شوارعنا بشعارات وألفاظ مسيئة؟!!..وقد أرجع انهيار اللغة العربية إلى «العسكريين» وهو الوصف الذى قصد به رؤساء الجمهورية ذوى الخلفية العسكرية بدءا من الرئيس عبدالناصر، حيث يرى أن اللغة تدهورت على أيديهم لأنهم لم يكونوا يجيدون التحدث بها، كما نسب إليهم تراجع الثقافة!!.. والمفارقة أنه لم يتحدث طوال حديثه سوى بالعامية أيضا، فهل من المفترض أن نحكم عليه أنه لا يجيد اللغة العربية؟!!.. كما ظهر فى سياق حديثه تحامله على أبناء المؤسسة العسكرية واستخدامه لكلمة العسكر والتلميح إلى أننا بين الحكم الدينى والعسكرى اللذين يعتبران أسوأ أنواع الحكم؟!!.. ورغم اتفاقى معه فى أن المشهد الثقافى كما وصفه «محزن وفى غاية الانحطاط»، ولكن من المسئول عن ذلك؟!!.. أليس المثقفون والكتاب الكبار والنخب والذين يشاركون فى تشكيل الوعى والثقافة هم المسئولين؟!!..أم سيظلون يحملون غيرهم المسئولية دون أن يحاسبوا أنفسهم لأنهم مشاركون فيما وصلنا إليه؟!!..وهل ونحن نواجه حروب الجيل الرابع والخامس ونرى انهيار الدول العربية من حولنا نحتاج مزيدا من التنظير حول ما نعيشه من سلبيات شارك فيها الجميع -وهم على رأسهم- دون طرح حلول أو رؤى لكيفية الخروج من ذلك؟!.. أما الحديث عن الحرية والتى أول ما تحمله من قيم هو تقبل الرأى الآخر واحترامه فللأسف ما شاهدناه منه يتناقض مع ما يدعو إليه ويطالب به.. فقد كان من بين الحضور لواء فاضل من المؤسسة العسكرية العريقة واستمع باحترام كامل لكلمات الدكتور جلال التى تضمنت هجوما على المؤسسة العسكرية دون أن يقاطعه ثم طلب التعقيب بعد انتهاء كلمته لنفاجأ بالرجل الذى يدعو للحرية لا يحترم أو يحتمل الرأى الآخر، فبدا على وجهه الغضب ثم سارع بالخروج دون أن ينتظر انتهاء اللواء من كلمته ليرد بالحجة والإقناع!!.. فقد تجاهل فضل هذه المؤسسة فى النهوض بالثقافة منذ فترة تولى الرئيس عبدالناصر الذى كان يعلم أهمية الثقافة فعهد بها إلى د.ثروت عكاشة الذى يعد رائد الثقافة المصرية فى العصر الحديث، والذى أنشأ المجلس الأعلى للثقافة والثقافة الجماهيرية وأكاديمية الفنون وغيرها.. ورغم أن د.جلال اختتم حديثه بأن الشعور بالأمل هو «بداية النهضة الثقافية» ولكن للأسف لم ينطو حديثه إلا على التشاؤم واليأس فلم يسلط الضوء أو يشر إلى أى شىء إيجابى يبعث على التفاؤل، بل الانطباع العام الذى يتركه حديثه أننا لن نعيش اليوم الذى ستنصلح فيه أحوال البلد.. فكيف ننتظر أن نرى النهضة الثقافية التى قال إن بدايتها الشعور بالأمل، وهم لا يبثون إلا اليأس ولا يرون سوى القبح؟!!