السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"أنشودة" المطر..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما نحن فيه من حال يحتاج إلى تبنى سياسات مبتكرة وغير تقليدية وحلول غير مسبوقة، أما التصدى للمشاكل بالحلول التقليدية فهو أساس البلاء الذى يحيطنا، لأن هذه التقليدية سبق فشلها.
مع أن ما يحدث من غضب «سماوى» لا علاقة له من قريب أو بعيد بالقصيدة الخالدة «أنشودة المطر» للشاعر العراقى الكبير بدر شاكر السياب التى أولها: «عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعة السحَرْ، أو شرفتانِ راحَ ينأى عنهما القمرْ»، ومع احترامى الكامل لهذه القصيدة المؤسسة لتيار الشعر الحديث، إلا أن غواية العنوان أجبرتنى على التلصص على خدرها الآمن، لاختطاف العنوان المراوغ أمام ما يحدث هذه الأيام من «غواية» مطرية تنهال على رءوسنا دون أن نصلى لها صلاة استسقاء أو نلوذ بها فى أركان القصائد..
فالمطر الذى «يرخ» على الساحل الشمالى ويُغرق الإسكندرية، ويوحل القاهرة منذ أيام، يتحول بسبب كثرته إلى سيول، وبسبب عدم وجود «صرف» يتجمع فى الشوارع، ويتحول إلى برك عالية المنسوب أحيانا تهاجم الأدوار الأرضية للعمارات «الواقعة» فى طريقه، ويهاجم الشقق السكنية ويُغرق أثاثها وأجهزتها وأحيانا وصلاتها الكهربائية الرئيسية، فيحدث «ماسا» قد يؤدى إلى مآسٍ عديدة، حيث يتسبب هذا الماس فى صعق المحاصر بالمياه، وقد حدث هذا فى الهجمة المطرية الأولى على الإسكندرية قبل أسابيع، إضافة إلى ما يسببه من خسائر مادية جسيمة تلحق بالمحال والمتاجر الكبرى، والسؤال الآن: لماذا لم يتم الاستعداد للمطر -وهو ظاهرة موسمية- بحفر المزيد من البالوعات التى تقوم بشفط المياه وتصريفها للبحر كما كان يحدث، وكما رأيت «بأم عينى» فى السبعينيات، من خلال شبكة البالوعات التى أنشئت فى الإسكندرية على يد سكانها -وبعضهم من الجريك أو اليونانيين- أوائل القرن العشرين، وكانت تلك «المصارف» تواجه «نوّات» الإسكندرية الموسمية التى كان بعضها يستمر لثلاثة أيام متوالية بلا انقطاع، ولم يواجه المدينة أى تراكم للمياه يؤدى إلى المآسى التى تحدث مع كل «هطول» هذه الأيام، ولماذا تهمل الحكومة ذلك الفعل وتترك سكان المدينة للمجهول الذى يصبح معلوما كل شتاء، هذا التساؤل يتقاطع مع تصريحات محافظ الإسكندرية السابق الذى أجبروه على الاستقالة، حيث قال إنه كان يمكن تفادى ما حدث لو أن الحكومة المركزية فى القاهرة استجابت لطلبه بتوفير ٧٥ مليون جنيه لإنشاء شبكة جديدة لصرف المياه منذ الشهور الأولى للصيف الماضى، ولكن الحكومة قالت له: البند لا يسمح، مما جعله «يكبر دماغه»، ويرضى بالجلوس على مكتبه الوثير حتى الإقالة، مع أن المبلغ قليل بالتوازى مع مصروفات «نثرية» لأى وزارة، أى كان يمكن توفير المبلغ ببساطة لو تخلت أى وزارة عن شراء السيارات الفخمة الحديثة لمسئوليها وعن «جيوش» السائقين «الخصوصيين» للبكوات ومنازلهم ومشاوير نواديهم الخاصة، لكن جوهر المسألة أن الوزارات غير واقعية فى مصروفاتها التى تمثل إهدارا للمال العام فى كل عام.
الشاهد هنا أننا نعيش مرحلة دقيقة، لا تحتمل العبث المتمثل فى المصروفات «العبيطة» التى تنفقها الوزارات دون أدنى إحساس بالمسئولية، فلا زال «تجديد» المكاتب للمسئولين الكبار بدءا من الوزير «الجديد» وانتهاء بأحدث مدير عام، يجرى على قدم وساق مع ما يكلفه هذا التجديد، وما زالت المصاريف الخاصة بتلك المكاتب تنفق فيما لا طائل وراءه، وتغيب واقعية المرحلة عن الجميع وتدخل ميزانية الدولة مرحلة الإغماء تحت ضغط المكافآت والحوافز المبالغ فيها، قبل أن تصل هذه الميزانية إلى «أيامها» الأخيرة فى شهر يونيو، فتقع وزارة المالية فى «حيص بيص» لإعداد الموازنة العامة للدولة من ريع «جهات الإنتاج» التى لا تنتج كما يجب، أو اللجوء إلى المداخيل الريعية مثل إيراد قناة السويس، ومسددات الضرائب ومستخلصات الجمارك، وما تم تصديره من سلع زراعية وصناعية وبترولية، وتظل الموازنة تراوح مكانها حتى يوافق عليها الرئيس، وندور فى الحلقة المفرغة نفسها: فمصروفات الوزارات تتضخم، وميزانيات المحافظات لا تتعافى تحت ضغط المشروعات المؤجلة والمرشحة للتأجيل، ويستمر الحال على حاله.. وهكذا دواليك، بينما تنام عقلية التطوير فى الأدراج، وتستمر الكوارث المناخية فى إحراج الجميع، ويستمر المطر فى «أنشودته» الخالدة، ويتوسع لمحافظات أخرى، لينهمر سيولا على بعض الجهات، ويسبب وحولا فى أماكن لم تطلها أيدى التطوير أصلا، وتعتمد طرقها «الرئيسية» على أديم الأرض الترابى الذى يتحول فى لحظات إلى وحول ثقيلة تستغرق أياما فى تجفيفها المعتمد أساسا على أشعة الشمس التى لا تترك فضلا للأجهزة الحكومية العاجزة أصلا عن فعل شىء. 
ويبقى أيضا السؤال: هل حيواتنا لا تستحق الأفضل؟ أعتقد أنها تستحق أكثر من الأفضل، لكن فى حالة واحدة: إذا عملنا بجدية على جميع الصعد، وابتعدنا عن العشوائية واللامبالاة اللتين تسيطران على فعلنا ورد فعلنا، ولا أستخدم «نا» الفاعلين لقصر الأمر على الشعب وحده، بل إن الأمر يشمل الحكومة بوزرائها جميعا، لأن ما نحن فيه من حال يحتاج إلى تبنى سياسات مبتكرة وغير تقليدية وحلول غير مسبوقة، أما التصدى للمشاكل بالحلول التقليدية فهو أساس البلاء الذى يحيطنا، لأن هذه التقليدية سبق فشلها، وساعتها نكون كمن يستجير من الرمضاء بالنار، ورغم أننا ننادى بواد «كالمؤذن فى مالطة» فمطلبنا الوحيد الآن أن «يقرأ» المسئولون ما يُكتب، لأننا جميعا نتوجه إلى الصالح العام، ونتمنى لهذا الوطن أن يُقال من عثرته التى طال أمدها، لنكتب معا مستقبلا أفضل لأجيالنا المقبلة.