تحتل مصر المرتبة الأولى عربيًا فى قائمة المليارديرات، لدينا فعليًا ٨ مليارديرات يمتلكون ٢٢.٣ مليار دولار، هذا غير آلاف المليونيرات الذين يملكون أضعاف هذا المبلغ بكثير، ولست فى حاجة لأن أقول لك، إن هذه المليارات ما تكدست فى خزائن الكبار إلا من فائض عرق الفقراء وجوعهم وتشردهم.
ولذلك من حقك أن تندهش عندما تجد خبراء الحكومة وجهابذة الاقتصاد يبحثون عن حل لمشكلات مصر فى الخارج، أغلب الظن أن هذا هو الحل السهل، فلا أحد فى مصر يريد أن يرهق نفسه ولو قليلًا، ولا نقدر فى الغالب على مواجهة أنفسنا، بعجزنا وفشلنا فى إدارة مواردنا، والخروج من أزمتنا الاقتصادية الطاحنة، فنحن فعليًا لا نعمل، ولا نريد ذلك، شعب كسول بطبعه، ولا تلتفت كثيرًا لمن يقولون لك إن معدننا الأصيل يظهر فى الأزمات، فالمفروض أن يظهر هذا المعدن الأصيل قبل أن نصل إلى مرحلة الكارثة، التى هى قادمة لا محالة.
لقد اختار المصريون رئيسًا لديه إرادة واضحة للعمل والإنجاز، لكن هل تكفى الإرادة وحدها لإنقاذ هذا الوطن من ركام المصائب التى تحاصره، أعتقد أننا فى حاجة إلى إدارة تكون على نفس القدر من الكفاءة والاحتراف والإخلاص، التى يعمل بها رأس النظام، وإلا فلن يتم إنجاز أى شىء من أى نوع، إذ ما فائدة أن تكون لدى الرئيس رغبة فى العمل، وجميع الأجهزة التنفيذية تعانى من الترهل والفساد والعشوائية والفوضى، ويقف رجال الأعمال وأصحاب المليارديرات محلك سر، يتفرجون على المشهد كله، وهو ينهار أمامهم.
أجهزة الدولة التنفيذية لا بد أن تقوم بمسئولياتها على الوجه الأكمل، المسئول غير الكفء لا بد أن يرحل فورًا، رءوس الفساد لا بد أن تقطع بلا رحمة، لا بد أن يرى الناس رأى العين أن المقصر ينال جزاءه بلا رحمة، فنحن نتحدث عن مصير ومستقبل بلد، وإذا تهاون رأس الدولة الآن فلا أمل فى أى إصلاح.
لقد خاض السيسى جولات عديدة مع أباطرة المال فى مصر، وهى جولات لم يحقق فيها حتى الآن نصرًا ملحوظًا، وأعتقد أن إدارته لهذا الملف تحتاج إلى إعادة نظر، فهؤلاء لم يستيقظوا من نومهم ليجدوا أن هذه الأموال أصبحت ملكًا لهم، حصلوا عليها من ثغرات فى القوانين وبتسهيلات من دولة رخوة، وشراء ضمائر، وآن لهم أن يردوا ما سلبوه، بدلًا من أن يستقووا به علينا.
الحديث بمعاني الوطنية والعمل من أجل أن يقف هذا البلد على قدميه، لم يجد معهم، والكلام بالبعد الدينى بأنهم لن يأخذوا معهم أموالهم إلى قبورهم، لم ينفع مع عقول وقلوب صماء، ولذلك فلا حل إلا بالقانون، الذى يجب أن يكون حاسمًا وحادًا وصارمًا، فليس معقولًا أن يقف أصحاب المليارات يتفرجون على البلد وهو يغرق.
بعد أن استيقظ العالم على صور طفل سورى غريقًا على أحد شواطئ تركيا انتفض أحد أباطرة المال المصريين، واقترح أن يشترى جزيرة فى أى مكان فى العالم ليسكنها النازحون من سوريا، رجل الأعمال هذا لم نسمع له صوتًا عندما غرقت قرى كاملة فى محافظة البحيرة، لم يبادر بفكرة واحدة من أفكاره التى يسعى من ورائها إلى الشو الإعلامى، ولم يتحرك رجل الأعمال ليقف فى قلب المشهد الغارق على مقربة منهم.
إننا أمام أثرياء بلا ضمير، ولأنهم كذلك فلا النصح يصلح معهم، ولا الكلام يجعلهم يتحركون من أمام خزائن ملياراتهم الحرام، القانون وحده هو القادر على أن يسترد منهم أموال الشعب المنهوبة، فهل يتحرك النظام فى الاتجاه الخطأ كالعادة؟... أتمنى ألا يطول انتظارنا لإجراءات حقيقية تنقذ هذا الوطن قبل أن ينهار، فلو انهار فلا عيش لنا ولا حياة، فتحركوا يرحمكم الله... وإلا فالكارثة فى انتظار الجميع.