توقفنا فى المقال السابق عند الساعة الواحدة ظهرا من يوم السبت السادس من أكتوبر ١٩٧٣ الموافق العاشر من رمضان ١٣٩٣ للهجرة حيث وصل الرئيس الراحل أنور السادات، إلى مركز العمليات وبصحبته الفريق أول أحمد إسماعيل وزير الحربية وعقد اجتماعا سريعا بالفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان القوات المسلحة، واللواء محمد عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات، وكان اهتمام السادات هو معرفة ما حققته قوات الصاعقة التى كانت قد تسللت إلى سيناء، لإبطال عمل مواسير النابالم عند خط بارليف، وسأل أيضا عما فعلته القطع البحرية التى كانت قد تحركت منذ أيام فى البحر الأحمر، لسد مضيق باب المندب وفى حوالى الواحدة والنصف دخل السادات إلى قاعة العمليات حيث الخرائط واللوحات، وحيث القادة الذين كانوا يشعرون بأنهم أمام لحظة فاصلة فى تاريخ مصر، بل إنهم يكتبون صفحة مضيئة فى هذا التاريخ، وفى تمام الثانية ظهرا تعلقت الأنظار باللواء طيار حسنى مبارك قائد القوات الجوية، فالمعركة وطبقًا للخطة الموضوعة ستبدأ بضربة جوية تهدف إلى إرباك إسرائيل، وإصابتها بالشلل التام، وذلك بضرب المطارات ومحطات الرادار ومراكز القيادة فى سيناء والصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات، وإذا نجحت هذه الضربة الجوية، فإن النجاح حتما سيتوالي، وفى تمام الثانية عبرت أكثر من مائتى طائرة مصرية قناة السويس على ارتفاع منحفض جدا، فأحدث ذلك أثرا طيبا ومعنويا على قواتنا البرية، فهللوا «الله أكبر» والتهبت المشاعر وزاد الحماس والثقة، أما طائراتنا فقد نجحت فى تدمير ثلاثة مطارات وعدة قواعد عسكرية، وعشرة مدافع صواريخ مضادة للطائرات وثلاثة مراكز قيادة وعدد كبير من محطات الرادار ومرابض المدافعية بعيدة المدى، وكانت مهاجمة جميع الأهداف المعادية فى سيناء، تتم فى وقت واحد ويقول المشير الجمسى فى مذكراته: «كانت قلوبنا فى مركز العمليات تتجه إلى القوات الجوية ننتظر منها نتائج الضربة الجوية الأولى، وننتظر عودة الطائرات إلى قواعدها، وفى الساعة الثانية وعشرين دقيقة عادت الطائرات المصرية بعد أداء مهمتها وتعلقت الأبصار بقائد القوات الجوية، وهو يشرح للرئيس السادات ولبقية القادة نتائج الضربة الأولى، والتى حققت أهدافها بنسبة ٩٠٪ ولم تزد الخسائر علي خمس طائرات فقط، وكانت تقديرات الخبراء الروس تشير إلى أن الضربة الجوية لن تحقق أكثر من ٣٠٪ من الأهداف الموجودة، وأن خسائرها ستصل إلى ٤٠٪ ولكن نسور مصر الأبطال أثبتوا للعالم كله قدرتهم على التحدى، وهكذا نجحت الضربة الجوية التى كانت مفتاحا للنصر وإشارة لبقية رجالنا لكى يتحركوا، وفى لحظة إنسانية بالغة الصعوبة أبلغ حسنى مبارك الرئيس السادات، بأن شقيقه عاطف قد استشهد ضمن الطيارين الذين استشهدوا فى الضربة الأولى، وتغلب الرجل على أحزانه وتابع المدفعية المصرية، وقد حولت الشاطئ الشرقى للقناة إلى جحيم، حيث فتحت النيران على مصراعيها وتحت ساتر هذه النيران عبرت مجموعات من الصاعقة وأطقم اقتناص الدبابات القناة لتثبت الألغام فى مصاطب الدبابات المعادية، وبدأت الموجات الأولى لخمس فرق مشاة فى عبور القناة، مستخدمة حوالى ألف قارب مطاطى، وبعد عدة دقائق وضع ثمانية آلاف جندى أقدامهم على الضفة الشرقية للقناة وبدأوا فى تسلق الساتر الترابى المرتفع، ورفعوا علم مصر على أرض سيناء وتقدمت وحدات المهندسين العسكريين، وقامت بفتح الممرات اللازمة فى الساتر الترابى باستخدام مدافع المياه، وهكذا دارت عجلة الحرب والتاريخ يلهث بقلمه ليسجل أروع إنجاز للعسكرية المصرية فى أقل من ست ساعات كان على أرض سيناء أكثر من ٨٠ ألف جندى مصرى لتبدأ المواجهة على الأرض، وليت الذين يشككون فى قدرة جيشنا ويكتبون بعض التفاهات على الفيس بوك وغيره، أن يراجعوا التاريخ جيدا ليعلموا الحقيقة وليفخروا بجيشنا العظيم، بدلًا من الهجوم عليه..
وللحديث بقية، فالنصر لم يتحقق يوم السادس من أكتوبر فقط، بل استمر طوال أيام المعركة.
وللحديث بقية، فالنصر لم يتحقق يوم السادس من أكتوبر فقط، بل استمر طوال أيام المعركة.