الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

طيور الظلام تسرق الثروة.. والثورة أيضًا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
للكاتب المخضرم المقتدر وحيد حامد، أعمال متفوقة وأخرى عادية، فليست أعماله كلها بذات المستوى، وهذا هو الطبيعى بالنسبة لأى كاتب أو فنان فى كل مجالات الإبداع، خصوصًا غزيرى الإنتاج مثل حامد، وأيضًا أنه نتاج توزع وتنوع بمختلف الوسائط، ما بين الراديو والتليفزيون والسينما والمسرح.
وأذكر أننى من الذين أعجبوا بأعمال قديمة له فى الراديو مثل مسلسل «قانون ساكسونيا»، الذى أذيع عقب مقتل السادات (وقد أعجبنى أكثر من الفيلم السينمائى الذى أخذ عنه بعنوان «الغول»)، ومثل الدراما الإذاعية «أنا وأنت وساعات السفر» بطولة محمود مرسى (وقد أعجبنى أكثر من الفيلم الذى أخذ عنه بطولة يحيى الفخراني).. كما أنى من الذين أعجبوا ببعض أعماله فى السينما وليس كلها، وفى مقدمة ما أمتعنى (خماسية) أفلامه مع المخرج شريف عرفة والنجم عادل إمام: «طيور الظلام» و«الإرهاب والكباب» و«اللعب مع الكبار» و«المنسى» و«النوم فى العسل»، وبالذات أول فيلمين.. أما فى التليفزيون فله عدد من الأعمال المميزة والحق أن أكثر ما أعجبنى فيها مسلسل قديم بعنوان «سفر الأحلام» بطولة محمود مرسى أيضًا.
لكن فيلم «طيور الظلام»، ضمن كل هذا الإنتاج الكبير الثرى، هو العمل الذى أتذكره باستمرار، فى المرحلة المعاشة منذ ٢٥ يناير ٢٠١١ إلى الآن.
ومن ذلك مشهد النهاية، الذى يخلص إليه الفيلم، والذى يلخص الكثير مما دار ولا يزال، حيث المباراة فى ذروتها والصراع على أشده ويزداد.. وهذه كرة القدم، معلقة بين قدمى الشخصية التى تعبر عن الاتجاه الرجعى المتخلف الانتهازى المتمحك فى دين الإسلام العظيم (بأداء متفوق لرياض الخولي).. والشخصية الأخرى المنافسة التى تعبر عن الاتجاه الرجعى الناهب للبلاد والتى يطلق عليها الفلول بعد الثورة (بأداء لعادل إمام فى أحد أحسن أدواره على الإطلاق).. الكرة هنا هى الإمساك بمقاليد الحكم ومقدرات البلاد، ويتوقف الفيلم عند لقطة تثبت وتثير السؤال المصيرى: من منهما يتحكم فى النهاية؟.. مَنْ مِنْ اللصين يغلب؟!.
ولا يغيب فى الفيلم ممثل الشعب الحقيقى، لكنه حائر بنقائه غير قادر على الفعل الواضح أكثر منه مستسلم (بأداء أحمد راتب المرهف للشخصية).. واللافت أننا نراه فى أحد المشاهد مطالعًا أحد أعداد جريدة «العربى» الناصرية، التى كانت تعتبر وقتها ولعشر سنوات كاملة على الأقل قبل يناير ٢٠١١، صوتًا مميزًا شجاعًا للمعارضة الوطنية الحقيقية، وليس فحسب لمعارضة ناصرية.. ونرى أن تلك موضوعية تحسب للمؤلف، الذى نعرف أن لديه مآخذ بلا نهاية على ثورة يوليو وعبدالناصر لا نوافقه عليها، ومن منطلق رؤيته السياسية الليبرالية التقليدية، بكل «قائمة» انتقاداتها المعهودة التى دأبت على التحامل ضد ثورة ٢٣ يوليو.
أضف إلى الرؤية الثاقبة، والتحليل السياسى الاجتماعى المتأنى لوحيد حامد فى فيلم «طيور الظلام»، مزايا الفيلم الدرامية والجمالية للمؤلف والمخرج ومجمل فريق الفيلم، وهذه المقدرة الواضحة على تشييد بناء درامى كبير، يأخذ فى التنامى والإثراء وصولًا إلى لحظة التنوير.. إنه فى تقديرنا واحد من أحسن مائة فيلم فى السينما المصرية.
إن هذا الفيلم ضمن ما نحن بحاجة إلى الالتفات إليه الآن، بينما نواجه أكبر محاولة لتزييف الوعى فى الواقع المصرى المعاصر.. حيث لا يريد الطرفان فقط التحكم فى المقدرات والمصائر، على نحو ما رأينا فى مشهد نهاية «طيور الظلام»، ولا يريدان فحسب نهبه وسرقة موارده وثرواته.. وإنما أيضًا سرقة ثوراته!.
فطرف الإخوان واليمين المتأسلم (شخصية رياض الخولي) تدعى أبواقه ليل نهار أنهم أصحاب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١.. وبقايا نظام مبارك والحزب الوطنى (شخصية عادل إمام) تدعى أبواقه بلا ملل ولا كلل أنهم أصحاب ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣!!.
مع أن الإخوان هم آخر من دخل ثورة يناير الشعبية وأول من خرج منها، ولا يعرفون فى خطابهم وأوراقهم أصلًا كلمة «ثورة»!.. ومع أن جماهير الشعب وطلائعه الذين قاموا بثورة يناير هم أنفسهم الذين قاموا بثورة يونيو، لإنقاذها من براثن الإخوان!.
وتزداد محاولة وجريمة تزييف الوعى، بوصف الطرف الأول لـ«يونيو» بأنها «انقلاب عسكرى» وليست ثورة شعب.. وبوصف الطرف الثانى لـ«يناير» بأنها مؤامرة وجزء من «خريف عربى»، و«٥ خسائر».. إلخ!!.
والحقيقة أن هناك مؤامرة خسيسة خبيثة بالفعل.. لكنها مؤامرة الطرفين على الثورتين الشعبيتين المجيدتين، وهناك جريمة مستمرة بالفعل هى جريمة محاولة تزييف الوعى على أيدى الطرفين.
وهنا واجب وطنى وأخلاقى مستمر.. يقع على كل صاحب قلم وفكر جاد متجرد وكل المثقفين الوطنيين حقًا.. وهو كشف وفضح كل هذا الزيف والتضليل، الذى لا تكف هذه الأبواق وتلك، فى كل يوم بل كل ثانية.. عن بثه وتكراره، فى آذان ووجدان المواطنين خاصة البسطاء.