نعم كان الإعلام أيضا سببا رئيسيا لعزوف الناخبين عن المشاركة فى المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، وأظن أنه بإمكان أى مراقب جيد لما تنضح به معظم وسائل الإعلام خلال العامين الماضيين الوصول إلى هذه النتيجة بارتياح.
صحيح أن الأزمات الاقتصادية المتتابعة والصراع السياسى الذى علا فيه صوت المصالح الشخصية، كانت أسباب إصابة غالبية المصريين بداء اليأس والإحباط، إلا أن الإعلام كان بوسعه العمل على الحد من هذه الآثار السلبية، فقط إذا تصدى لمعالجة تلك القضايا بتفاصيلها الكاشفة للحقيقة وبأسلوب يساعد جميع الأطراف على تحديد وفهم طبيعة التحديات والمشكلات التى تواجهها.
لكن لماذا نشير بإصبع الاتهام إلى الإعلام؟ أتصور أن نسب المشاركة الضعيفة فى الانتخابات والفضيحة الإعلامية المدوية التى عرفت بقضية سمية «فتاة الحرية مول» نتاج لأداء إعلامى تخلى عن كل القيم المجتمعية والمهنية، فيما نصَّب بعض الإعلاميين أنفسهم رعاة للأخلاق والفضيلة ووصاة على الضمير الجمعي، بل إن بعضهم جعل من نفسه نصف إله وربما إلهاً كاملا فأحدهم إله الفضيلة وآخر إله الوعى والفهم وثالث إله العلم والمعرفة ببواطن الأمور.
المحصلة أننا صرنا بصدد إعلاميين يمتلكون الحقيقة المطلقة وهذا داء أصيبت به مجتمعاتنا التى هيمن الإسلام السياسى على نمط تفكيرها، ولا أظن أن أحدنا قد نجا منه حتى لو كان من ألد أعداء الجماعات الإسلامية والتنظيمات الإرهابية.
لا يمكن أن ننكر تأثير السنوات الطويلة للسيطرة المطلقة من قبل النظام السياسى على معظم وسائل الإعلام والتى جعلت قطاعا كبيرا من الجمهور يتلقى رسائله باعتباره إعلاما ناطقا باسم النظام أو الرئيس، وقد امتد هذا الانطباع لدى الجمهور إلى بعض المؤسسات الإعلامية الخاصة صحفاً كانت أو فضائيات لا سيما أن بعض وسائل الإعلام الخاصة تتقاذف فيما بينها تهمة التبعية للنظام.
وسواء شئنا أم لم نشأ فإن جميع وسائل الإعلام لا سيما الخاصة التى لعبت دورا فى ثورة الثلاثين من يونيو وأيدت نظامها السياسى محسوبة بشكل أو آخر فى ذهنية الجمهور على هذا النظام وكل ما تحمله من رسائل يتلقاها جمهورها بوصفها رسائل غير مباشرة من الدولة، حتى لو أقسمت هذه الدولة على جميع الكتب المقدسة بعدم وجود أى علاقة مع الإعلام على ذلك النحو الذى كان فى الماضى.
لذلك عندما تكرس بعض البرامج أوقاتها لقضايا مثيرة للجدل على طريقة الصحف الصفراء، كحكايات الجن والعفاريت، وظاهرة الإلحاد، أو نشر بعض الصور الفاضحة يذهب غالبية الجمهور فورا إلى تفسيرها بكونها موجهة من قبل الدولة لإلهاء الناس عن قضياهم المعيشية ومشاكلهم الحقيقية وهو ما يدفعه بالضرورة للإحساس باليأس والإحباط من الدولة والحكومة التى تفرغت لإصدار التعليمات لإعلامييها بشغل اهتمامات المواطنين بسفاسف الأمور وتوافهها.
أضف إلى ذلك توظيف بعض الإعلاميين كل مهاراتهم فى استخدام ألفاظ بذيئة وخارجة عن الآداب العامة فى انتقاض زملاء لهم يعتبرونهم محاربين لمنظومة القيم العامة ومخربين للأخلاق. هذا بخلاف الإعلامى الذى جعل من مقعده منصة لإذاعة بيانات سياسية طنانة، وبالطبع يقدم الأخ نفسه لجمهوره كزعيم سياسى «لم تلده ولادة» ناهيك عن الإعلامى الذى تحول إلى داعية إسلامى لمجرد ظهور أحد المشايخ إلى جانبه.
الظريف فى الموضوع أن ذات هذه النماذج هى من تصرخ كل يوم بضرورة وضع ميثاق شرف إعلامى ومدونة سلوك لضبط الأداء، والواقع أنهم قد خرقوا كل مواثيق المجتمع الخاصة بالسلوك العادى فى الشارع فليس من فارق بين بلطجة الصوت العالى و«السنج» فى المقاهى والبلطجة من خلف الميكروفون وأمام الكاميرا.
تكاد تكون نادرة هى البرامج التى تفتح الملفات الجادة المرتبطة بتحديات الوطن ولا يأتى ذكر مشاكل الناس وهمومهم أو أخبار الدولة إلاَّ على الهامش وأحيانا كثيرة تتم معالجتها على طريقة المتسولين، أو بأسلوب المتعاطين للأقراص المخدرة. أظن أنه قد بات على الدولة أن تتدخل لتواكب حركة المجتمع بفرض ميثاق شرف ومدونة سلوك، تقاعس الإعلاميون عن وضعها ولا مجال للتأخر؛ فالمجتمع شرع يصيغ ذلك الميثاق وتلك المدونة، حدث هذا مؤخرا عبر الحملات الشعبية الواسعة التى ثارت على إعلام العفريت والفضائح وأسقطت إعلامية شهيرة هى «ريهام سعيد»، وبالأمس القريب انطلقت حملات شعبية أيضا دعت إلى مقاطعة الصحف والمواقع الإلكترونية عندما أخلت باتفاقها الضمنى مع المجتمع بنشر الحقائق وليس غيرها بإذاعتها أخبارا كاذبة عن الأحداث بشمال سيناء فى واحد من يوليو الماضى والتى تسببت فى بلبلة الرأى العام.
صحيح أن الأزمات الاقتصادية المتتابعة والصراع السياسى الذى علا فيه صوت المصالح الشخصية، كانت أسباب إصابة غالبية المصريين بداء اليأس والإحباط، إلا أن الإعلام كان بوسعه العمل على الحد من هذه الآثار السلبية، فقط إذا تصدى لمعالجة تلك القضايا بتفاصيلها الكاشفة للحقيقة وبأسلوب يساعد جميع الأطراف على تحديد وفهم طبيعة التحديات والمشكلات التى تواجهها.
لكن لماذا نشير بإصبع الاتهام إلى الإعلام؟ أتصور أن نسب المشاركة الضعيفة فى الانتخابات والفضيحة الإعلامية المدوية التى عرفت بقضية سمية «فتاة الحرية مول» نتاج لأداء إعلامى تخلى عن كل القيم المجتمعية والمهنية، فيما نصَّب بعض الإعلاميين أنفسهم رعاة للأخلاق والفضيلة ووصاة على الضمير الجمعي، بل إن بعضهم جعل من نفسه نصف إله وربما إلهاً كاملا فأحدهم إله الفضيلة وآخر إله الوعى والفهم وثالث إله العلم والمعرفة ببواطن الأمور.
المحصلة أننا صرنا بصدد إعلاميين يمتلكون الحقيقة المطلقة وهذا داء أصيبت به مجتمعاتنا التى هيمن الإسلام السياسى على نمط تفكيرها، ولا أظن أن أحدنا قد نجا منه حتى لو كان من ألد أعداء الجماعات الإسلامية والتنظيمات الإرهابية.
لا يمكن أن ننكر تأثير السنوات الطويلة للسيطرة المطلقة من قبل النظام السياسى على معظم وسائل الإعلام والتى جعلت قطاعا كبيرا من الجمهور يتلقى رسائله باعتباره إعلاما ناطقا باسم النظام أو الرئيس، وقد امتد هذا الانطباع لدى الجمهور إلى بعض المؤسسات الإعلامية الخاصة صحفاً كانت أو فضائيات لا سيما أن بعض وسائل الإعلام الخاصة تتقاذف فيما بينها تهمة التبعية للنظام.
وسواء شئنا أم لم نشأ فإن جميع وسائل الإعلام لا سيما الخاصة التى لعبت دورا فى ثورة الثلاثين من يونيو وأيدت نظامها السياسى محسوبة بشكل أو آخر فى ذهنية الجمهور على هذا النظام وكل ما تحمله من رسائل يتلقاها جمهورها بوصفها رسائل غير مباشرة من الدولة، حتى لو أقسمت هذه الدولة على جميع الكتب المقدسة بعدم وجود أى علاقة مع الإعلام على ذلك النحو الذى كان فى الماضى.
لذلك عندما تكرس بعض البرامج أوقاتها لقضايا مثيرة للجدل على طريقة الصحف الصفراء، كحكايات الجن والعفاريت، وظاهرة الإلحاد، أو نشر بعض الصور الفاضحة يذهب غالبية الجمهور فورا إلى تفسيرها بكونها موجهة من قبل الدولة لإلهاء الناس عن قضياهم المعيشية ومشاكلهم الحقيقية وهو ما يدفعه بالضرورة للإحساس باليأس والإحباط من الدولة والحكومة التى تفرغت لإصدار التعليمات لإعلامييها بشغل اهتمامات المواطنين بسفاسف الأمور وتوافهها.
أضف إلى ذلك توظيف بعض الإعلاميين كل مهاراتهم فى استخدام ألفاظ بذيئة وخارجة عن الآداب العامة فى انتقاض زملاء لهم يعتبرونهم محاربين لمنظومة القيم العامة ومخربين للأخلاق. هذا بخلاف الإعلامى الذى جعل من مقعده منصة لإذاعة بيانات سياسية طنانة، وبالطبع يقدم الأخ نفسه لجمهوره كزعيم سياسى «لم تلده ولادة» ناهيك عن الإعلامى الذى تحول إلى داعية إسلامى لمجرد ظهور أحد المشايخ إلى جانبه.
الظريف فى الموضوع أن ذات هذه النماذج هى من تصرخ كل يوم بضرورة وضع ميثاق شرف إعلامى ومدونة سلوك لضبط الأداء، والواقع أنهم قد خرقوا كل مواثيق المجتمع الخاصة بالسلوك العادى فى الشارع فليس من فارق بين بلطجة الصوت العالى و«السنج» فى المقاهى والبلطجة من خلف الميكروفون وأمام الكاميرا.
تكاد تكون نادرة هى البرامج التى تفتح الملفات الجادة المرتبطة بتحديات الوطن ولا يأتى ذكر مشاكل الناس وهمومهم أو أخبار الدولة إلاَّ على الهامش وأحيانا كثيرة تتم معالجتها على طريقة المتسولين، أو بأسلوب المتعاطين للأقراص المخدرة. أظن أنه قد بات على الدولة أن تتدخل لتواكب حركة المجتمع بفرض ميثاق شرف ومدونة سلوك، تقاعس الإعلاميون عن وضعها ولا مجال للتأخر؛ فالمجتمع شرع يصيغ ذلك الميثاق وتلك المدونة، حدث هذا مؤخرا عبر الحملات الشعبية الواسعة التى ثارت على إعلام العفريت والفضائح وأسقطت إعلامية شهيرة هى «ريهام سعيد»، وبالأمس القريب انطلقت حملات شعبية أيضا دعت إلى مقاطعة الصحف والمواقع الإلكترونية عندما أخلت باتفاقها الضمنى مع المجتمع بنشر الحقائق وليس غيرها بإذاعتها أخبارا كاذبة عن الأحداث بشمال سيناء فى واحد من يوليو الماضى والتى تسببت فى بلبلة الرأى العام.