كانت المعلومات التى جمعتها عن زوجة الفريق أول عبد الفتاح السيسى قليلة جدا، وقتها كنت أكتب حلقات عن المفاتيح السبعة لشخصيته، بعد أن أصبح نجم المرحلة السياسية الأولى، بتصديه للإخوان ومساعدة الشعب فى إخراجهم من السلطة.
كان نص ما كتبته وقتها: «وحدها الأم هى التى تمنح ابنها تصوره عن كل النساء، بإمكانها أن تجعله متحضرًا يحترم أى وكل امرأة يقابلها، وبإمكانها أن تجعله خصمًا لأى امرأة يلتقى بها، وهو ما وضح فى علاقة السيسى بزوجته السيدة انتصار ابنة خالته التى تزوجها منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا بعد قصة ود وحب نمت فى إطار الأسرة.
لقد حاول من أرادوا الطعن فى سيرة ومسيرة عبد الفتاح السيسى، أن يقتربوا من أسوار زوجته، وحتى يؤكدوا أنه ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين، راحوا يؤكدون أن زوجته منتقبة، ورغم أن معظم زوجات قيادات جماعة الإخوان غير منتقبات، إلا أنهم أرادوا أن يأخذوا من نقاب زوجته المزعوم دليلًا على إخوانيته، رغم أنها تلتزم بالحجاب على الطريقة المصرية، وبالمناسبة فمعظم زوجات وزراء الدفاع السابقين (أبو غزالة وطنطاوى مثلا) كن محجبات، وظهرن بالفعل إلى جوار أزواجهن فى مناسبات اجتماعية عديدة، دون أن يثير هذا تعليقًا من أحد، فالحجاب الوسطى الذى تلتزم به أمهاتنا وأخواتنا لا يثير جدلًا، خاصة أنه يعبر عن ثقافة مجتمع.
فى حديثه العابر إلى مجلة «نيوزويك» الأمريكية، قال أحمد السيسى الشقيق الأكبر للفريق عن زوجة أخيه: هى ترتدى الحجاب وربة منزل مثل شقيقاته الخمس، كما أن نساء هذه الأسرة لا يعملن ويفضلن تربية ورعاية الأطفال.
لم تظهر زوجة الفريق أول عبد الفتاح السيسى إلى جواره حتى الآن فى أى مناسبة رسمية أو اجتماعية، وإن كان هذا لسبب بسيط، أن الفترة التى قضاها وزيرًا للدفاع والتى تمتد إلى الآن لم تكن فيها مناسبات اجتماعية أو رسمية تستدعى وجودها، بل كانت أقرب ما تكون إلى مناسبات عاصفة مليئة بالأحداث والمواجهة وإطلاق التحذيرات للإخوان المسلمين ورئيسهم، لكننى أعتقد أنه عندما ستكون هناك مناسبة تستدعى وجودها، فلن يحجبها أو يمنعها من الحضور، وإذا جرت المقادير وحكمت على السيسى بأن يكون رئيسًا لمصر، ففى الغالب ستكون السيدة انتصار أقرب إلى نموذج السيدة تحية عبد الناصر، التى كانت هى أيضًا ربة منزل وكل اهتمامها بتربية أطفالها ورعاية أحفادها، وسيكون ظهورها مناسبًا للدور الاجتماعى العام الذى ستحرص عليه دون مبالغة، لكن على أية حال فهذا حديث سابق لأوانه، فلا السيسى حسم أمره، وقرر أن يرشح نفسه للرئاسة، ولا السيدة زوجته تفكر فى أبعاد دور السيدة الأولى».
كتبت ما كتبت قبل أن يصبح السيسى رئيسًا، بل قبل أن يرشح نفسه للرئاسة من الأساس، وبعد أن حسم قراره، أو اقترب من ذلك على الأقل، فكرت فى الطريقة التى سيقدم بها زوجته، لم أنتظر طويلًا، ظهرت إلى جواره فى واحدة من مناسبات القوات المسلحة.
يومها لم تتحدث، لم تدل بأى تصريحات، تسربت صورتها وهى تجلس إلى جواره، ليتكون التصور الأول عن زوجة عبد الفتاح السيسى، سيدة مصرية فى العقد الخامس من عمرها، ترتدى غطاء رأس مثلها مثل سيدات مصر، لا حجاب ولا نقاب، كما ردد البعض عنها.
خلال حملة السيسى الانتخابية، لم تشارك السيدة انتصار، لم تظهر، ولم يكن لها أى نشاط من أى نوع، اكتفت بالظهور إلى جواره فى حفل حلف اليمين بالمحكمة الدستورية، ثم حفل التنصيب فى قصر عابدين... حافظت على أن تكون هناك مسافة بينهما، فلم تجتمع معه فى صورة، فى المحكمة الدستورية، جلست وسط أبنائها وزوجاتهم، وفى قصر عابدين كانت أقرب إلى السيدة جيهان السادات.
لم تظهر السيدة انتصار بعد ذلك، إلا من خلال خبر قصير، زوجة الرئيس تزور منطقة العمل بقناة السويس، لا صورة ولا فيديو، ولا شىء على الإطلاق، وكأنه كان مقصودًا حجب أخبار وصورة زوجة الرئيس، وكأنه كان هناك قرار بألا يكون لها دور فى العمل العام.
ظهرت السيدة انتصار ظهورًا خاطفًا فى حفل افتتاح قناة السويس، لم تكن وحدها، بل ظهرت إلى جوارها السيدة جيهان السادات، الذى يبدو أنها تلعب فى حياتها دور الصديقة والمرشدة.
فى كل المناسبات التى ظهرت فيها السيدة انتصار السيسى، لم يكن هناك حرص من الجهاز المسئول عن الإعلام فى الرئاسة، على أن يرسل بصورها إلى الصحف، أو لنكن أكثر دقة، كان هناك حرص على عدم إرسال هذه الصور.
لكن ما جرى بعد حفل الذكرى الـ ٤٢ لنصر أكتوبر كان مختلفًا، أرسلت الرئاسة مجموعة من الصور، وأنا أستعرضها أثناء تجهيز العدد اليومى من جريدة «البوابة»، توقفت قليلًا عند صورة للسيدة انتصار تتوسط مجموعة من السيدات من بينهن السيدة جيهان السادات، والسيدة زوجة وزير الدفاع، والسيدة زوجة رئيس الوزراء.
كان قرار نشر الصورة فى الصفحة الأولى من جريدة «البوابة» سريعًا جدًا، وكتبت وقتها: «لم يستغرق قرار نشر الصورة منى سوى ثوانٍ قليلة، فالصورة مهمة، لأن ظهور زوجة الرئيس بشكل ليس عابرًا، أمر مهم للغاية، وقد يكون بالنسبة لى مناسبة لحديث عن دور اجتماعى تقوم به، يمنح مناحى عمل كثيرة فى مصر زخمًا وتأثيرًا، إننى أسجل هذه اللحظة، وهذه الصورة لما لها من أهمية، ولما هو قادم من أيام».
كنت أعتقد أن القادم من الأيام سيطول انتظاره، لكن خاب ظنى، فقد بدأت السيدة انتصار السيسى الظهور الرسمى لها من خلال زيارة رسمية إلى مملكة البحرين، وكان غريبًا ألا تهتم الصحف المصرية بالخبر الذى نشرناه فى «البوابة»، ولم يفعل الآخرون.
يحرص الرئيس السيسى وهو أمر معروف عنه جدًا، أنه لا يحب أن يتم إقحام أحد من أسرته فى الحياة العامة، يريد أن يبتعد بهم عن الأضواء، لكن هذا لا ينطبق على السيدة زوجته، التى هى بالفعل سيدة مصر الأولى، وإذا كان هناك من يريد أن يلغى هذا اللقب، لأنه ارتبط بالسيدة سوزان مبارك، ولم يكن أداؤها مرضيًا أبدًا، فإن اللقب ارتبط أيضا بالسيدة جيهان السادات، وأعتقد أن أداءها كان راقيًا، رغم ما ردده عنها كثيرون من خصوم زوجها.
لدينا فى مصر بالفعل أكثر من تجربة خاضتها السيدة الأولى، كان هناك إحساس بأن السيدة انتصار السيسى، ستسير على خطى السيدة تحية عبد الناصر، فهى لها أقرب، وقد أكدت الشهور الماضية التى قضاها السيسى فى الحكم هذا الإحساس، فهى لم تظهر كثيرًا، لكن شق الصمت بزيارة خارجية لم يتم التركيز عليها بما يكفى، يمكن أن يكون بداية لتأسيس أداء جديد يرتبط بالسيدة الأولى.
لم تتحدث السيدة انتصار السيسى لا قليلًا ولا كثيرًا، اكتفت بدردشة على هامش تلقى العزاء فى والدة الرئيس، نقلتها كاتبة على صفحات مجلة أكتوبر، معتبرة منها حوارًا، وكانت الدردشة إنسانية بالدرجة التى لا يستطيع أحد أن يحكم على أفكارها، ولا اهتماماتها، ولا ما الذى يمكن أن تفعله إذا ما خرجت للعمل العام.
على أية حال... نحن أمام خطوة متقدمة خطتها زوجة الرئيس... وأعتقد أن خطوات كثيرة قادمة ستخطوها، وما علينا إلا أن ننتظر الأيام القادمة، وأعتقد أننا هذه المرة لن ننتظر طويلًا.