انتهت الجولة الأولى من انتخابات البرلمان، فاز من فاز وأخفق من أخفق، كانت الكلمة للناس والحكم للشعب، لافتات ومؤتمرات ودعاية ووعود انتخابية، تربيطات قبلية ومصاريف ولجان وقضاة، فرز وإعلان نتائج وزغاريد وأحزان، حضور لم يرض البعض، وتحليلات سطحية وعميقة، المهم هو أن انتخابات الجولة الأولى انتهت، وصار لدينا نواب معروفون بالاسم، استلموا من اللجنة العليا للانتخابات شهادات انتخاباتهم، ودخلت أقدامهم البهو الفرعونى بالبرلمان، ويستعدون من الآن لانعقاد الجلسة الأولى.
لم نستمع لشكوى من مرشح عن تزوير هنا أو هناك، لم نقرأ عن تقفيل الصناديق، لم يمتلك مرشح بجاحة القول إنه مرشح الدولة، كانوا جميعًا على قدم المساواة، وكانت النتائج هى ما يريده الناخبون بالفعل، فلماذا لطم البعض خدوده وسالت دموعه واخشوشنت حنجرته اعتراضًا على سقوط مرشح ما فى دائرة ما، لماذا لم يتقبل ذلك البعض النتائج كما هى وتعامل مع الواقع، أليست الصناديق هى الحكم، أليس الشعب هو القائد والمعلم أليس ألف باء انتخابات فوز فائز وهزيمة مهزوم؟.
كان من الأجدى أن يلتفت الخاسرون وأنصارهم إلى الجولة الثانية لمعالجة نقاط ضعفهم، ومحاولة المنافسة فى السباق البرلمانى من خلال دعم مرشحين يمثلون فكرتهم، ولكن اختار ذلك البعض الركون إلى الحل السهل، وهو تسفيه العملية الانتخابية برمتها لأن جنابه سقط فى اختبار التصويت الحر المباشر من الناس، هو يعترض على اسم أو اسمين أو ثلاثة ويدور على مواقع التواصل باكيًا تارة وشاكيًا تارة، وكأنه فى شكوته يقول لرئيس الجمهورية لماذا لم تزور الانتخابات يا سيسي؟.
نعم البعض يريدها هكذا لا يريد العمل بين الناس وتبنى مطالبهم، يتعالى على الناس لوهم ومرض بداخله، يريد الناس عبيدًا لأوهامه البرلمانية، فإذا تمرد الناس عليه وأسقطوه، تقوم الدنيا ولا تقعد، وهو ما يجعلنا نتساءل: من أين جاء بكل تلك الثقة فى شخصه، وبأى وجه يتلاسن على منافسه الذى حاز على ثقة الناس، طالما شهدنا صناديق شفافة؟ فالمنطق يقول إن أول إجراء يتخذه الخاسر هو تهنئة منافسه وليس التجريح فى برلمان تنتظره مصر فى لحظة فارقة فى تاريخها، برلمان ننتظره جميعًا ليضع نقطة الختام لمرحلة عشناها جميعًا فى مفارق طرق.
إن عدم الإحساس بالمسئولية السياسية تجاه المرحلة القادمة، يجعلنا نراجع مواقفنا من كثيرين، تاجروا علينا بشعار الديمقراطية ومع أول امتحان لهم، اكتشفنا أنهم لا ديمقراطيين ولا يحزنون، وإذا كانت ملاحظتنا على مرحلة حكم الإخوان الإرهابيين، أنهم سعوا للتكويش على مفاصل الدولة، فثمة تشابه بين كهنة الديمقراطيين الجدد والحقوقيين القدامى والمستثورين حسب الطلب وبين تنظيم الإرهابية، هو تكويش من نوع جديد، بمعنى امتلاك الحكمة الخالصة والحقيقة الكاملة، إنهم تكفيريون فى ثياب جديدة.
فى خدعة مكشوفة دعا ذلك البعض إلى المقاطعة وتصور وهمًا ضعف الحضور أنه جاء تأثرًا بدعوته التى لم يسمع بها جارهم فى السكن، وانتشى وارتاح ضميره كأنه أدى واجبه كاملًا، وتتجلى خدعة الأخ المقاطع أنه هو ذات نفسه الذى خرج علينا بعد إعلان النتائج ليعطى الشعب المصرى درسًا فى خيبة الاختيار، أعرف أن المقاطع لكى يستقيم موقفه عليه أن يشرح أسباب مقاطعته بالإجمال دون التدخل انحيازًا ضد نجاح سين أو إخفاق صاد.
من هذا التصرف البسيط تعرف أن الحكاية فى أولها وآخرها ابتزاز رخيص، محاولة للاستعراض والقفز على لحظة تحتاج أكثر من أى وقت مضى لاستخدام العقل والانتماء للناس وترتيب الأولويات وتغليب العام على الشخصى، والإقرار بحق الاختلاف، فالمؤكد هو أن من ليس معك ليس بالضرورة ضدك.