السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

المبادرات الباطلة للمصالحة مع الإخوان

الدكتور سيد ياسين
الدكتور سيد ياسين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«٣٠ يونيو» تاريخ فاصل فى مسيرة الشعب المصرى، وذلك لأنها كانت فى حقيقتها انقلابا شعبيا على حكم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، دعمته بجسارة القوات المسلحة بقيادة «السيسى» حين كان وزيرا للدفاع، والذى أعلن باسم التيارات السياسية الحية الممثلة لكل طوائف المصريين «خارطة الطريق» والتى تمثلت فى إصدار دستور، وتنظيم انتخابات رئاسية، وانتخاب مجلس شعب جديد.
تمت الخطوة الأولى وصدر الدستور، وتم الاستفتاء عليه، ونظمت الانتخابات الرئاسية وفاز فيها «السيسى» بمعدلات قياسية، وها نحن هذه الأيام نشهد انتخابات مجلس النواب بكل ما برز فيها من ظواهر إيجابية وسلبية تحتاج بعد إعلان نتائج المرحلة الثانية إلى تحليلات موضوعية متعمقة.
ونعرف جميعا أن صدمة سقوط جماعة الإخوان المسلمين وإعلان أنها جماعة إرهابية والقبض على الرئيس المعزول «محمد مرسى» هو والقيادات الإخوانية البارزة أصابت الجماعة فى مقتل، لأنه ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن تجربتها فى الحكم كانت فشلا سياسيا من ناحية وإعلانا جهيرا من ناحية أخرى بالسقوط التاريخى لتيار الإسلام السياسى الذى لن تقوم له قائمة أبدا بعد ذلك.
وتفسير ذلك أن الشعب هو الذى أسقط الجماعة الإرهابية، إدراكا من الجماهير للخطورة البالغة لمشروعها فى مجال «أخونة الدولة وأسلمة المجتمع»، مما هدد بالفعل كيان الدولة، وكاد يؤدى إلى تفكك المجتمع نتيجة للخلط المعيب بين الدين والسياسة.
كان حلم الجماعة الإرهابية تحويل الطابع العلمانى للدولة المصرية بمعنى فصل الدين عن السياسة، تمهيدا لإعادة تأسيس الخلافة الإسلامية، وتحويل الدولة المصرية بتاريخها الشامخ إلى مجرد ولا بد من ولايات الخلافة والتى -كما صرح أحد قادة الإخوان- ستكون عاصمتها القدس وليست القاهرة.
وتوالت ردود أفعال أتباع الجماعة الإرهابية بعد «٣٠ يونيو» التى تمثلت فى جرائم إرهابية متعددة لم توجه فقط ضد السلطة ورموز الدولة، لكنها -أبعد من ذلك- وجهت ضد الشعب المصرى بدون تمييز.
ومن الأدلة الدامغة على ذلك تفجير أبراج الكهرباء بصورة منهجية، حتى يعم الظلام البلاد، توقعا من القيادات الإرهابية أن ذلك من شأنه أن يجعل الشعب يثور على «٣٠ يونيو» ومن قاموا بها.
والواقع أن قادة الجماعة وحلفاءها أصابهم نوع من أنواع الخبل العقلى، كما يكشف عن ذلك دفاعهم عن الإرهاب والاغتيالات. والدليل القاطع أن المجلس الثورى للجماعة الإرهابية (أعضاؤه هاربون فى تركيا) أصدر مؤخرا بيانا يقول فيه إن الجماعة مستعدة لتشكيل وزارة بالاشتراك مع الحزب الوطنى بشرط عودة «محمد مرسى»، لكى يكون مرة أخرى رئيسا للجمهورية!
ما هذا الخبل الذى يتجاهل أن «مرسى» يحاكم الآن بتهمة الجاسوسية وإفشاء أسرار الدولة لدول أجنبية!
غير أن هذه المبادرة الإخوانية البلهاء لا تختلف كثيرا عن بعض المبادرات التى يطلقها بعض السياسيين أو المثقفين الذين -حتى ولو لم يكونوا أعضاء رسميين فى الجماعة الإرهابية- إلا أنهم يعملون لحسابها لأسباب متعددة من الصعوبة بمكان معرفة منطقها، والدليل على ذلك المبادرة التى أطلقها مؤخرا أحد المثقفين المعروفين والذى كان الجسر الذى عبرت عليه قيادات جماعة الإخوان الإرهابية، لكى يقابلوا عددا من الساسة الأمريكان، تمهيدا لعقد الحلف الإخوانى الأمريكى لتمكينهم من حكم مصر على أساس مقولة فاسدة تقول إن جماعة الإخوان يمكن لو وصلت للحكم أن تقوم بدور حائط الصد ضد التنظيمات الإسلامية الإرهابية التى يمكن أن تهدد الأمن القومى الأمريكى.
ولو قمنا بتحليل المبادرة الساذجة والمريبة التى أطلقها مؤخرا هذا المثقف المعروف لأدركنا أنه يتجاهل أو يجهل الطبيعة الحقيقية لجماعة الإخوان المسلمين.
فهذه الجماعة -منذ أن أنشأها حسن البنا عام ١٩٢٨- هى جماعة سرية وإرهابية فى نفس الوقت، والدليل على كونها جماعة سرية هو أن تنظيمها الداخلى يقوم على التمييز بين قيادات علنية وقيادات سرية تعلن عن نفسها حين تحتفى القيادات العلنية بالاعتقال أو بالسجن. أما الدليل على كونها جماعة إرهابية منذ نشأتها فهو أن «حسن البنا» أسس ما أطلق عليه «الجهاز السرى» بقيادة «عبدالرحمن السندى».
وفى ضوء هذه المعلومات الموثقة كيف يدعو صاحب المبادرة الأخيرة إلى المصالحة مع الإخوان؟ وما تعريف المصالحة عنده والذى لم يذكره؟ وهل تنطوى المصالحة على عودة جماعة الإخوان المسلمين بكل تشكيلاتها العلنية والسرية بزعم أنها جماعة دعوية تدعو للإسلام فى بلد مسلم أم عودة حزب «الحرية والعدالة» مرة أخرى؟
بل إن صاحب المبادرة تجاسر واقترح أن ينظم الرئيس «السيسى» استفتاء شعبيا يتضمن سؤالا واحدا هو هل تقبل المصالحة مع الإخوان؟ فإذا أجابت الغالبية بنعم تتم المصالحة!
ولكى يدعم صاحب المبادرة المريبة اقتراحاته الغريبة استعان بالتاريخ، لكى يقول إن الرسول عليه الصلاة والسلام تصالح مع قريش فما المانع من أن تتصالح الدولة مع الجماعة الإرهابية؟ وكذلك فعل «مانديلا» حين عقد صلحا بين السود والبيض.
الواقع أن هذه المشابهات التاريخية الزائفة لا تستحق أن تفندها، ولا أن نرد عليها، لأنها مشابهات زائفة.
وفى النهاية نقول لكل أصحاب مبادرات الصلح، سواء كانوا أعضاء فى الجماعة الإرهابية أو يدافعون بقوة عن عودتها للمشهد السياسى، لكى تعاود ممارسة سياستها المعروفة فى الإرهاب، لقد قال الشعب المصرى كلمته، ولن يقبل أى وطنى حقيقى غيور على كيان دولته وعلى الهوية الأصيلة لمجتمعه المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية. لقد أنفذ الشعب حكمه التاريخى على الجماعة الإرهابية فى ٣٠ يونيو ولن يعود أبدا إلى الوراء.