قرأ ممدوح الليثى السباعية وهنأنى على العمل وتنبأ لى بمستقبل مشرق وصرح بتصوير الحلقات دون حذف أى حرف، وقال إنه سيدعونى أن أشترك معه فى كتابة أعمال، وهو ما حدث فيما بعد بالفعل.
كنت قد تعرفت على صلاح أبو سيف فى هذا الوقت فسجلت فى مذكراتى
(سأحاول العمل مع صلاح أبوسيف) ثم سجلت بعدها بقليل (أشعر أننى لم أنضج بعد)!. وبدأت فى إعداد قصة نجيب محفوظ ( بيت سيئ السمعة) للتليفزيون. وأجيزت ورشحت محمد صبحى فى دور صغير بها.واتصلت بنجيب محفوظ الذى لم أره إلا مرات معدودة أسأله عن رأيه فى معالجة قصته فأثنى علىّ كثيرا حتى خجلت واعتبرت أنه يجاملنى.
وكنت قد توثقت علاقتى خلال سنوات الدراسة بمعيدنا فى السنوات الأربع الأستاذ فوزى فهمى الذى درس لنا الدراما لأربع سنوات. وصرح ونحن فى السنة الثانية أمام دفعتى (أننى أبرز طالب جاء للمعهد منذ عشر سنوات)، ويبدو أنه شاهد بعضا من أعمالى التليفزيونية وربما اطلع على مقالاتى بجريدة العمال. فقد دعانى لمنزله مرات وقرأ لى صفحات من مسرحيته (عودة أوديب) التى ستظهر فيما بعد على المسرح القومى كأول عرض مسرحى له، لكنى كنت قد سبقته وظهرت لى عدة مسرحيات للمسرح الخاص وشاهدها!. ومع ذلك كتبت فى مذكراتى فى هذه الفترة (أكتب قصصا يغلفها التشاؤم بل اليأس وعشرات الأفكار المشابهة)!. وكتبت ثلاث مسرحيات تجريبية قصيرة ستظهر بعدها بسنوات طويلة. لكن فى سنتى الأخيرة بالمعهد تولى الدكتور رشاد رشدى عمادة المعهد وكان الطلاب القدامى قبل أن أدخله قد طردوه عندما اصطدم بطلبة السنة النهائية لأنه تحدث بالسوء عن عميدهم السابق الدكتور محمد مندور. وكانوا يحترمونه. وجاء الآن لينتقم ومعه عدد كبير من تلاميذه بجامعة القاهرة. ومنذ البداية اصطدم بى الدكتور سمير سرحان وكان صغير السن، فطلب منا تدوين المنهج الذى سيدرسه لنا، ولما كنت الوحيد الذى لم أكتب، سألنى فقلت إنه ليس معى كشكول. فطلب أن أكتبه فى ورقة وسرعان ما قدم لى الزملاء ورقة، ولما قلت إننى لا أحمل قلما، طلب أن أستعير قلما من الزملاء. ووجدتنى أرد بأنى سأنقله فيما بعد. فهددنى بالرسوب فى مادته. واستفزنى التهديد فقلت ببرود إنى حر وربما أرغب فى الرسوب فما هى مشكلته؟. كان السؤال وجيها فقال إنه سيسمح لى أنا فقط بهذا!.
لم أقصد مضايقته ولكنها كانت عادتى أن أذهب غالبا بلا كشكول.وبعدها توتر الجو بين الدكتور سمير وأغلبية الطلبة عندما تأخر بعضهم فى الدخول بعده. ولم أكن من بينهم بل سكت تماما عندما وزع تهديداته على الجميع. ثم أشتكى للعميد رشاد رشدى فقرر حرمانهم من المعهد أسبوعا مع استدعاء أولياء أمورهم! تلبد الجو وبدأ بعض الطلاب يستأذنون فى الخروج من المحاضرة فوافق لهم فخرج نصفهم وكنت آخرهم. ثم قررنا ألا ننفذ قرار العميد فمنعنا الأساتذة من الدخول حتى سحب العميد قراره.وحاول الدكتور سمير إصلاح الموقف فراح يتحدث معنا بود لينهى الموقف، وتكلمت مؤخرا فقلت له بأدب إن الموقف لن يتغير. وحاول هو أن يخطب ودى بأنه يقرأ لى وشاهد بعض أعمالى التليفزيونية ولكنى ابتسمت بأدب وتركته. وكانت الدكتورة لطيفة الزيات رئيسة قسم النقد فطلبت منها أن يكون هناك مراجعة لأورق الامتحان حتى لا يتلاعب أحد المدرسين فى النتيجة فقررت ذلك ولأول مرة. فأعطانى الدكتور سمير أعلى درجة فى مادته، لكنهم لم ييأسوا فغيرت درجتى فى مادة الموسيقى لأن الامتحان كان شفهيا مع أنى كنت الأول بشهادة مدرس المادة الذى اندهش من ذلك. فقد كانوا يقصدون ألا يكون ترتيبى الأول ولم يهمنى هذا على الإطلاق. وفيما بعد سأصبح صديقا للدكتور سمير!.
وعاد عبدالناصر من رحلة علاج من روسيا وفاجأ نائبه السادات بقبول مبادرة روجرز بوقف حرب الاستنزاف لثلاثة شهور. وبعدها تغيرت الرياح.وجرى تغيير كبير فى قطع الشطرنج. وفجأة أصبح الأستاذ عبدالله يدقق فيما أنشره لبعض الشعراء فحذف الكثير منه ثم حذف مقالا لى لأول مرة. فكان آخر مقال لى فى ٢٣ يوليو عام ٧٠. ولا أذكر الآن محتوى المقال فلم أسترده من الجريدة. ولكنى فهمت أن رقابة روجرز الأمريكى قد حلت علينا.
كنت شابا صغيرا لكنى أدركت تغير الرياح، لذلك أعلنته بتوقفى عن الكتابة، وعبثا حاول أن يثنينى. لكنى ذهبت ولم أعد، فقد توقعت أننا دخلنا فى عهد جديد لذلك لم أعد حتى بعد أن عاود الإلحاح علىّ بالعودة ثانية ولم أفاتحه بما توقعت بحسى أنه سيحدث له هو وغيره أيضا.