الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

لا تعتذر عما فعلت يا توني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صحا ضميره، أو غفا ذهنه، أو اختلف مع القتلة فنضح بالحقيقة الموجعة.. فى حوار تليفزيونى مُثير قال تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى السابق: «إنه يعتذر عن حرب العراق»، وأوضح أن المعلومات الاستخباراتية التى اعتمدت عليها بريطانيا وأمريكا فى عدوانهما على العراق لم تكُن صحيحة، واعترف أن البلد الجريح لم يكن لديه أسلحة دمار شامل ولا غيرها. كذب فى كذب، وتزوير فاضح، وفُحش سياسى لا يتسق مع الدعاية الصاخبة حول القيم النبيلة وحقوق الإنسان والتحضر، أى ساسة هؤلاء وأى مكاسب تلك التى تدفع دولا إلى قتل وتشريد مئات الآلاف دون جريرة؟ أى انتهازية تجعل دولة عُظمى تسوق معلومات تعلم أنها كاذبة لتخلع شعبا من أرضه، وتحرق بلدا كان أهله يحيون فى أمان؟!
بالزور والبهتان ضربوا شعبا بريئا، وبالافتراء دخلت جحافلهم لتستوطن أرضا طيبة، وبالظلم أعدموا حاكماً عربياً بعد أن بثوا حملات الدعاية السوداء ضده يميناً ويساراً، والآن يقول قائل منهم: «عذرا لقد أخطأنا».
خطأ، هكذا يُسميها السياسى الداهية؟! كم قطرة دم سُفحت فى سبيل تلك الأخطاء؟ كم سهما يتم وأصاب قلوب الصغار؟ كم غُصة ألم طعنت أرواح أرامل؟كم صيحة فزع؟ كم فتنة؟ كم دمعة؟ كم لوعة؟ كم كارثة؟
الرجل نادم، يأسف، يعتذر، يُقر بالذنب، يخجل، يشعر بالخزى والعار، يمسح وجهه فى تراب الشوارع، ويُطأطئ رأسه أمام الشعوب العربية، يفعل ما لم يفعله، لكننا لن نُسامحه، لن نقبل أسفه، لن نرضى أعذاره، لن نغفره عدوانه.
«لا تعتذر عما فعلت» يا تونى بلير، هذه طبائعكم، وتلك ألاعيبكم، ومَن يُصدقكم يستحق ما فيه.
وما يجب أن نتعلمه- وإن كُنت أشك- أننا نتعلم من خطايانا أن الأمم الكُبرى لم تكبر إلا بالاستغلال والتوحش وأن السير وراءها يودى إلى التيه.
تلك الأمم المُتقدمة التى تسعون للتعلم منها، كذبة بالوراثة، مُخادعون مُحترفون، مزورون بلا أخلاق، انتهازيون إلى أقصى مدى، يُصالحونك ويُمجدونك، ثُم يطلبون معونتك، فإن فعلت صبوا كراهيتهم وحقدهم عليك، إن وقفت أمامهم فأنت فاشى، وإن رفضتهم فأنت مُستبد، وإن قاومت تغلغلهم فأنت ديكتاتور.
يتغنون بالتحضر والمدنية وحقوق الإنسان إن كانت الدولة تُخاصمهم، لكن إن رضيت بالتبعية وقبلت الانصياع فلا حديث عن تمييز ولا كلام عن حقوق إنسان ولا أى إشارة للظلم والاضطهاد.
تلك هى الحضارة المُصطنعة، القيم القشرة، التحضر الزائف، التقدم المادى والانهيار الروحى.
افتحوا عيونكم وأرهفوا آذانكم واستعذبوا كلمات تونى بلير الأخيرة، فهى تعنى الكثير وتفتح الباب لمراجعات طويلة للنفس.
وسلاما على المُهتدين.