تجيد ريهام سعيد الدفاع عن نفسها، منحتها الحياة قدرة خارقة على اقتحام خصومها والرد عليهم، حتى لو كانت على باطل، تفعل ما تراه صحيحًا من وجهة نظرها وحدها، تضرب عرض الحائط بكل من ينتقدها أو يوجه لها لومًا أو عتابًا، ربما لأنها موهوبة كما تعتقد هى، وربما لأنها تعرف أن هناك من يسندها ولن يتخلى عنها، وربما لأنها تدرك أنها أصبحت زعيمة إعلامية لها جمهورها الذى سيدافع عنها، وربما لأنها كما قالت لن يضرها الله أبدًا، لأنها لا تقول إلا الحق.
لا تشغلنى هنا ريهام سعيد فى قليل أو كثير، فهى فى النهاية ظاهرة إعلامية، وكثيرة هى الظواهر التى تخبو بعد أن يكون أصحابها قد ملأوا الدنيا وشغلوا الناس، فلا شىء يبقى، وسرعان ما ستتحول ريهام، كما تحول غيرها إلى مجرد ذكرى فى أرشيف الإعلام المصرى، الذى يحمل من الخبيث أضعاف ما يحمل من الطيب.
لكن تشغلنى الحالة التى واجه بها المجتمع ريهام، وما فعلته مع سمية عبيد، فتاة المول التى تحرش بها أحدهم، فلما اعترضت ضربها بعنف، بحثت عن حقها، لم يقف معها أحد، كل ما استطاعه رجال أمن المول أن منحوها فيديو يسجل الواقعة، رفعته على صفحتها على الفيسبوك، لتدخل الجحيم بقدميها، ذهبت إلى ريهام سعيد معتقدة أنها ستنتصر لها، وكانت المفاجأة أن ريهام نشرت صورًا خاصة للفتاة، فحولت أزمتها إلى فضيحة.
من السهل أن تتهم ريهام سعيد بأنها سرقت الصور من موبايل سمية، لكن لماذا تستبعد أن تكون هناك جهة بعينها هى التى حصلت على الصور وأمدت بها ريهام، وهى على ثقة أنها ستعرضها باعتبارها سبقًا إعلاميًا؟
نشرت ريهام الصور معتقدة أنها تقدم عملا مهنيا (المهنية نسبية بالمناسبة)، وفرحت الجهة الأمنية التى أمدتها بالصور، لأن النشر يحقق لها ما تريده، ففى الوقت الذى يعانى فيه الاقتصاد، وتبور فيه الانتخابات البرلمانية، سيكون هناك ما يشغل الناس، ويبدد وقت فراغهم، فلا ينشغلون بما هو مهم، لأن هناك ما سيكون مثيرًا بالنسبة لهم، صور خاصة لفتاة، كان من المفروض أن نقف إلى جوارها، فإذا بنا نستمتع بلقطات لها، وضعتها على تليفونها الخاص، وهى لقطات لا تختلف كثيرًا عن صور معظم الفتيات الخاصة اللاتى يحتفظن بها على تليفوناتهن.
هناك من يريد أن يلفت الانتباه، هذه آلية نعرف كيف نستخدمها، ونعرف أهداف من يقررون استخدامها فى لحظة معينة.
كمال الجنزورى، رئيس الوزراء فى عصر مبارك وعصر ما بعد مبارك أيضا، كان قد اعترف فى اجتماع رسمى جمعه برؤساء تحرير الصحف، أن الحكومة لفقت قضية آداب لفنانتين شهيرتين، حتى تخفف وطأة الهجوم عليها بعد حادث الأقصر فى العام 1997.
لسنا أمام حيلة جديدة إذن، الحيلة قديمة ومجربة، وريهام سعيد وغيرها من الإعلاميين مجرد أدوات لتحقيقها، لا أستثنى منا أحدًا، فنحن أبناء الوهم الكبير الذى يعيشه الناس عن دور الإعلام وتأثيره.
عندما نفتح قوسًا كبيرًا لن نجد فروقًا واضحة حتى بين ريهام سعيد وإيمان الحصرى، مذيعة المحور، التى هاجمت ريهام ولعنتها، إيمان كانت قد وقعت فى خطأ مهنى جسيم بعد حادث سياح المكسيك، عندما قالت إن رئيس المسكيك قال إن مواطنيه على خطأ، وإن الحكومة المصرية لا ذنب لها، ستقول إنها اعتذرت عن الخطأ، وهذه مهنية، سأقول لك: قد يكون إصرار ريهام سعيد على ما فعلته مهنية، لأنها لا تريد أن تعتذر عما تراه صحيحا، حتى لو كان المجتمع كله يرى عكس ذلك.
لماذا لا نقترب من الصورة أكثر؟
إذا فتشت فى داخل كل منا، ستجد ريهام سعيد المنهج والمنطق والأسلوب والأداء متربعة، تمارس عملها ببراعة، وتبرر لما تفعله بكفاءة، وتستعد لالتهام ضحية جديدة بإصرار، تفعل ذلك وهى تعتقد أنها تقدم خدمة جليلة للبشرية.
كلنا ريهام سعيد إذن، ليس من باب التضامن معها، ولكن من باب أننا نشبهها، لا نختلف عنها فى شىء، لدينا جميعا الرغبة فى الفضح، وتعرية الناس والتلصص على أشيائهم الخاصة، الفارق الوحيد أننا نفعل ذلك فى مساحات ضيقة، دون أن يرانا أحد، لكن ريهام فعلت ما فعلته على الملأ، عبر شاشة يجلس أمامها الملايين، وهؤلاء تحديدًا من منحوا ريهام الجرأة على أن تفعل ما تفعله، أليسوا يتابعونها بما جلب لبرنامجها إعلانات بالملايين، أليسوا يبدون إعجابهم بها إذا ما قابلتهم فى أى مكان، أليسوا يصافحونها بفرح ويطلبون التصوير معها.
سأقف مع من اتهموا ريهام سعيد بأنها أخطأت خطأ مهنيًا جسيمًا عندما نشرت صور فتاة المول الخاصة، لن أعارضهم، فمن حقهم أن يروا ما يشاءون، لكنى سأقف أكثر أمام حالة النفاق التى حاصرنا بها ريهام، وهى حالة شارك فيها الجميع، لكن الأكثر غرابة بالنسبة لى كان موقف الشركات الراعية للبرنامج.
أعلنت الشركات انسحابها من رعاية البرنامج، وانسحبت شركات أخرى من الإعلان فيه، حصد أصحاب هذه الشركات إعجاب الجميع، صفق الجمهور لها، لكن لم يسأل أحد نفسه، لماذا ظلت هذه الشركات كل هذه السنوات ترعى ريهام وبرنامجها، رغم أنها قدمت حلقات أكثر سوءًا من حلقة فتاة المول؟
لماذا لم تنسحب هذه الشركات بعد حلقة فتيات السحاق التى أدارت فيها ريهام حوارًا مبتذلًا، وأعتقد أنه حظى بأعلى نسبة مشاهدة سواء أثناء عرضه فى القناة، أو عندما تم رفعه عبر اليوتيويب؟
ولماذا لم تنتفض هذه الشركات عندما خصصت ريهام حلقات من برنامجها لرواد ساحات الجن والعفاريت مروجة للخرافة، ومتعاملة على أنها واقع نعيشه ويعيشنا؟ هل استمرار هذه الشركات فى رعاية البرنامج بعدها كان موافقة منها على ما تقدمه، والذى لا يعنى إلا أننا شعب جاهل ومتخلف؟
هل تريدون ما هو أكثر من ذلك؟
ما أعرفه أن الشركات التى انسحبت من رعاية برنامج ريهام سعيد لم تفعل ذلك إلا نفاقا للمجتمع التعيس الذى شن حربا اعتبرها مقدسة لإيقاف ريهام وإغلاق برنامجها، إنها لا تخاف على أخلاقيات المجتمع ولا تعمل من أجلها، بل تعمل من أجل مصالحها الخاصة، خاصة عندما وجدت حملات تطالب بمقاطعة الشركات التى ترعى البرنامج، فآثرت السلامة، وسارعت لتكسب مساحة على «قفا» المذيعة التى يسعى الجميع إلى ذبحها بلا رحمة.
لا أنحاز لمن يطالبون بإغلاق أى نافذة إعلامية، مهما كانت الأخطاء، فالإعلام فى النهاية يعمل فى مجتمع عبثى، وما نعرضه فى صحفنا وقنواتنا ومواقعنا، ليس إلا ترجمة دقيقة لهذا المجتمع المنحط، الذى هو جزء منا ونحن جزء منه، ولو جربت وفتشت فى أرشيف كل الإعلاميين ستجد جرائم لا تقل عن جرائم ريهام سعيد، لكن وهذا هو المهم، لو جربت وفتشت فى حياة كل مواطن مصرى، ستجد جرائم تفوق جرائم ريهام سعيد.
ستقول إنها إعلامية وما تعرضه على الناس لا بد أن تكون له حدود، فأين القانون، وأين ميثاق الشرف الصحفى؟
سأقول لك: لا تحدثنى عن قانون فى بلد لا قانون فيه، ولا ترفع راية الشرف فى وجهى وأنت تعرف أن الشرف نفسه أصبح أكذوبة فى مصر.
إننا نعيش فى نفق مظلم، ويبدو أنه لا مخرج منه قريبًا، وما جرى على يد ريهام سعيد، وما يجرى على أيدينا كل يوم، ليس إلا ترجمة لوجودنا فى هذا النفق، خففوا عن أنفسكم، وأريحوا أعصابكم، وإذا أردتم أن تدينوا ريهام سعيد، فقط انظروا إلى أنفسكم فى المرآة ستجدون ريهام أمامكم، وساعتها قولوا لها ما شئتم.