الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مهرجانات بطعم "أغاني المهرجانات"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نتباكى كثيرا على أحوال الفن المتردية، التى تعكس ما نعيشه من تدهور وانحدار أخلاقي، ولكن للأسف المشكلة ليست فى عدم وجود فن راقٍ وجميل بل فى تجاهل المسئولين عن الثقافة والإعلام والقائمين على إدارة القنوات ومقدمى البرامج، لكل ما هو جميل وتسليط الأضواء على القبح وأهله حتى أصبح الكثيرون لا ينفرون من الألفاظ البذيئة والمشاهد القبيحة التى تحاصرنا بدعوى الواقعية وحرية الفن والإبداع، فانحدرت اللغة وأصبح الكثيرون يستسيغون الألفاظ ويستخدمونها فى حياتهم العادية، وانتقلت لهجة قاع المجتمع إلى داخل البيوت، بفضل الإلحاح من الوسائل الإعلامية التى تفرض علينا السوقية والابتذال والأنواع الركيكة، مما يفترض أنه فنون، ووسط هذا القبح نجد الكثير من الفنانين الحقيقيين الذين يعيشون بيننا دون أن نستمتع بهم وبفنونهم وأفكارهم وثقافتهم، فقد فرضت رؤوس الأموال المتحكمة فى كل شىء عليهم وعلينا عزلة، فأصبحنا لا نراهم أو نسمعهم سوى دقائق نادرة يمن بها علينا أباطرة رأس المال، وبدلا من أن تواجه القنوات الحكومية الرسمية هذا التشويه الممنهج للشخصية العربية، تحاول أن تجارى هذه الموضات بجهل من القائمين عليها..ورغم أن الدولة تخصص الكثير من الأموال لمهرجانات من المفترض أن ترتقى بالفن والذوق العام، نجد أغلبها يكرس ميزانياته لتوطيد المصالح والعلاقات، لنظل نتساءل لماذا هؤلاء الفنانون أو المسئولون دون سواهم؟!!..وما الجديد الذى قدموه ليستحقوا التكريم دونا عن غيرهم؟!..ولماذا هذا القدر من العشوائية فى تكريمات لا نفهم أسبابها أو معاييرها؟!!..فتكون وكأنها منح من مال الدولة يمنحها المسئولون والقائمون على هذه المهرجانات طبقا للمصالح والعلاقات..وقد تجلت العشوائية فى مهرجان الإذاعة والتليفزيون الذى أقيمت احتفاليته مؤخرا فى محكى القلعة، وتعجبت أثناء سماع أسماء بعض المكرمين من الشخصيات العامة أو الفنانين، ولا أعلم ما علاقة هذا المهرجان الفنى والإعلامى العربى بتكريم الشخصيات التى ليس لها أى صلة من قريب أو بعيد بالإنتاج الفنى أو الإعلامى، وما المعايير التى يتم بناء عليها تحديد المكرمين؟!..ومنذ متى نرى وزير الداخلية أو قاض مثل المستشار خالد محجوب يكرم فى مهرجان فنى وإعلامى يهدف للارتقاء بالإنتاج فى هذه المجالات وتنمية التعاون بين الإعلاميين والفنانين العرب؟!..وإذا كنا جميعا نطالب ونفرح بتكريم الفنانين الكبار أمثال الفنانة القديرة سميحة أيوب والملحن الكبير محمد سلطان..ولكن لماذا يتم تكريم بعض الفنانين الذين ليس لهم أى تاريخ؟!.. أو الفنانين الذين لم يقدموا خلال هذه الفترات القاسية التى نعيشها أى شىء يذكر، بل توقف إبداعهم وإنتاجهم وقرروا الموت طواعية دون أن يكون لهم أى دور أو تأثير فى ظل الأحداث التى تمر بالوطن، والتى تحتاج لتضافر جهود المبدعين فى جميع المجالات؟!..ومن المفترض فى حالة عدم تقديم أعمال جيدة ترقى بالتكريم أن يتم حجب الجوائز حتى لا تضيع قيمة الجوائز والتكريمات، ولكن الواقع أن هناك فنونا جيدة وجهودا مشكورة من فنانين يجيشون كل طاقاتهم من أجل بناء الأمة ونهضتها، ولكن يتم تجاهلهم وتجاهل الفنون الراقية التى تبعث التفاؤل فى قدرة فنوننا على انتشال مجتمعاتنا من ثقافة الهدم التى تسيطر عليها!!..مثل الملحن المبدع عمرو مصطفى الذى كرس إبداعه خلال الفترة الماضية للأغنية الوطنية وخاصة للأطفال، والتى تبنى وتنمى الانتماء والأمل والرغبة فى بناء الوطن.. كذلك المطرب العملاق لطفى بوشناق الذى يجمع بين الموهبة الطاغية والذكاء الفطرى والثقافة والاحترام والتجديد، فقدم أغنيات رائعة على السيمفونيات العالمية مما ينمى التذوق لدى الجمهور العربى، ولم يتغافل أبدا قضايا الأمة العربية، ودائما تأتى روائعه فى اللحظات المناسبة التى نكون متعطشين فيها لفن حقيقى يعبر عن أوجاعنا ويبث طاقات الأمل والنور التى تجعلنا نؤمن بإمكانية اجتيازنا للأزمات، فأبكى العرب بأغنيته «خدوا المناصب» ثم قدم مؤخرا أغنية «تحت السيطرة» والتى تجمعه مع المطرب السورى الشاب عبد الله مريش، وتأتى فى صورة حوار يشكو فيه الابن إلى أبيه من أحوال الأمة العربية التى تتمزق فيتألمان سويًا حتى يبث الأب كلمات الأمل لابنه، وهى من كلمات الشاعر مازن الشريف التى تنفذ إلى القلوب وتبكيها، وألحان لطفى بوشناق التى تحمل ثراء وتجديدا، ورغم أن الأغنية تم إخراجها بأقل تكلفة ممكنة حيث تم تصويرها فى غرفة صغيرة تجمع الأب وابنه دون تغيير للمشهد، ولكن أبدع فيها المخرج عبد الحميد بوشناق من خلال استخدام لقطات تعبر عن تمزق الأمة العربية وآلام شعوبها واعتماده على تعبيرات الوجه لكل من الفنان لطفى بوشناق والفنان عبد الله مريش، فخلقا معا حالة إبداعية رائعة..ولكن يجب أن نتساءل كيف نبكى حال الفن العربى وبيننا لطفى بوشناق وأمثاله وإلى متى سيتجاهل الحمقى تلك القامات التى لن تعوض؟!!..هل سنظل نبكى دائما من فاتونا دون أن نقتنص فرصة وجودهم بيننا؟!..أين هذه الأعمال الرائعة من إعلامنا وقنواتنا الحكومية والخاصة؟!..وأين هم من المهرجانات والتكريمات العشوائية؟!!..فكفاكم عبثًا بإمكاناتنا وقدراتنا التى دائما تقع فى أيدى من لا يفهم أو يكترث..وكفانا تحويل أموال الدولة «منحًا ممن لا يملك لمن لا يستحق».