ما الذى يمكن أن يقوله الحسين رضى الله عنه إذا أطل على مشهد الصراع أمام ضريحه؟
ما الذى يمكن أن يقر فى قلبه، عندما يجد من ضحى بنفسه من أجل أن يعيشوا فى سلام يقفون على حافة القتل؟
ما الذى يمكن أن يقوله لمن أغلقوا المسجد المسمى باسمه فى وجه من يتشيعون له، حتى لو كانت لديهم ممارسات خاطئة لا تمت إلى الدين بصلة، من وجهة نظر من يمتلكون قرار إغلاق أو فتح المسجد؟
■ ■ ■
أغلب الظن أن الحسين رضى الله عنه، سيكون حزينا وغاضبا وآسفا ومستاء، فعندما وقف فى وجه من يريدون اغتصاب حقه، وتحويل الإسلام إلى حكم وملك عضوض، يتوارثونه فيما بينهم، حاولوا أن يقايضوه، ليمنعوه عن موقفه، لكنه رفض أن ينحاز إلى الباطل.
كان الحسين يعرف أنه لن ينتصر، لأنه أراد أن يبعث برسالة واضحة إلى كل من سيأتون خلفه، قفوا وراء الحق، حتى لو دفعتم حياتكم ثمنا له.
الآن لا أثر لهذه الرسالة، فبدلا من أن نأخذ من سيرة الحسين مددا، لنواجه الباطل الذى يحيط بنا من كل جانب، إذا بنا نتقاتل حول باطل، لا أساس له، ولا وجود إلا فى عقول المرضى والمتاجرين بالدين، والذين يسوقون أتباعهم إلى الذبح، لمجرد أنهم يريدون أن ينتصروا، دماء ودموع ضحاياهم لا تهمهم، فليذهب الجميع إلى الجحيم، من أجل الحفاظ على مصالحهم ومكاسبهم.
لقد أرادوها حربًا ضد السنة والشيعة، وحتى تزداد النار اشتعالا، جعلوا منها حربا دينية، رغم أنها ليست دينية لا فى أصلها ولا فى فصلها، إنها مجرد حرب سياسية، يلفونها برداء الدين، حتى ينضم إليها أغبياء الأرض.
كان يمكن أن تمر ذكرى عاشوراء بسلام، دون أن يلتفت لها أحد، يحتفل الشيعة كل عام بها دون بنفس الطقوس، التى قيل إنهم سيمارسونها هذا العام، والسؤال: هل اكتشفت وزارة الأوقاف فجأة أن لدينا فى مصر شيعة، وأن هؤلاء الشيعة سيحتفلون بعاشوراء فى ضريح الحسين، وأنهم يأتون من الطقوس ما يخالف الإسلام؟
لا أميل إلى نظرية المؤامرة كثيرًا، ولا يمكن أن أصف إغلاق مسجد الحسين فى وجه الشيعة، وما ترتب عليه من آثار بأنه مؤامرة، لكنى لا أستطيع أن أتجاهل غباء وجهل وغفلة من يديرون الأمور من وراء الستار.
لقد صنعوا فتنة من لا شىء، جعلوا المجتمع فى مواجهة بلا قيمة، ووصل الأمر إلى التهديد باقتحام مسجد الحسين، وتصدى أحدهم بتهديد مصر بعمليات إرهابية بسبب موقفها من الشيعة، رغم أن ما جرى لا قيمة له، ولا أهمية.
لقد أهدرنا قيمة الحسين، عندما فقدنا الدرس الأكبر فى حياته، وأعتقد أنه لو اطلع على ما جرى باسمه على طول التاريخ الإسلامى، لتردد فى أن يقدم نفسه فداء لمن لا يستحقون... فعذرًا يا مولانا.