يصر البعض على أن البرلمان القادم، لن يمكن الرئيس من تنفيذ خططه التنموية، وتناسى من يسوق لهذا المفهوم أن البرلمان شريك فى المسئولية من خلال دوره الرقابى والتشريعى، ولا يمكن أن يحدث خلط فى الاختصاصات بين السلطات، ويبرر أصحاب هذا الاتجاه أن نتيجة المرحلة الأولى انعكاس للحالة الديمقراطية فى المجتمع، رغم أنه مازال أمامنا الإعادة، ثم المرحلة الثانية فى ثلاث عشرة محافظة، وبالتالى علينا الانتظار حتى تنتهى الانتخابات بمرحلتيها، لنحكم على التجربة كما يروج البعض مقولة إن نسبة المشاركة فى التصويت بالمرحلة الأولى وهى ٢٦.٥٦٪ تعكس موقف الشعب المصرى من البرلمان القادم، وهى أقل بكثير من نسبة التصويت فى انتخابات الرئاسة التى تجاوزت ٩٥٪.
وأتصور أن هذا خلط متعمد فى تقدير الموقف، لأن هناك فارقا كبيرا بين العمليتين الانتخابيتين، فى انتخابات الرئاسة كانت مصر كلها دائرة واحدة، وجرت عملية التصويت على اثنين فقط من المرشحين، وجاءت على أثر سقوط نظام رفضه الشعب بعد ثورة قام بها فى الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ ومن هنا كان طبيعيًا أن تحقق المشاركة نسبًا عالية على النحو المتقدم، ولكن المناخ الذى جرت فيه انتخابات مجلس النواب مختلف، ومن الطبيعى أن تأتى نسب المشاركة من انتخابات الرئاسة أعلى، فمصر هنا مقسمة إلى دوائر انتخابية وترشح فيها عدد تجاوز الـ ٥٠٠٠ مرشح وتؤثر فى العملية الانتخابية للبرلمان متغيرات مثل العصبية العائلية والنزعات القبلية والعشائرية، ولكن فى كثير من المناطق الحضرية تميزت هذه الانتخابات بأن عددا من المرشحين كانوا وجوهًا جديدة، وبالتالى لم يتكون لدى كثير من الناخبين رأى انتخابى واضح، بل دعونا نتحدث بصراحة لم تكن فترة الدعاية كافية، ولم يكن لدى كثير من المرشحين خاصة الشباب منهم المقدرة المالية على مسايرة آخرين، كان واضحًا أنهم قد وظفوا أموالهم فى خوض الإنتخابات متجاوزين السقف الذى حددته اللجنة العليا للانتخابات للدعاية، وهذا أمر ليس جديدًا، فدائمًا فى كل انتخابات يلعب المال السياسى دورًا فى اقتحام الكتل التصويتية، وهو ما يعجز عنه أصحاب الخبرة القليلة أو الذين ليست لديهم إمكانات مالية كبيرة عالية.
وقد ساهمت عوامل مختلفة فى تكريس الصورة السلبية للمرحلة الأولى من الانتخابات النيابية، ومن بينها الإعلام وكان من باب المهنية أن يخطط الإعلام لاستغلال فترة الدعاية الانتخابية فى عرض برامج الأحزاب والمرشحين من خلال التخطيط الإعلامى، وهو التصور الاستباقى للأحداث المتوقعة، بوضع خطط رئيسية وأخرى بديلة ولم يكن موعد حدث الانتخابات البرلمانية غائبًا عن متخذى القرار الإعلامى فى مختلف القنوات الخاصة والعامة، وما حدث فى المرحلة الأولى يؤكد كما لو كانت الانتخابات قد جاءت بشكل مفاجئ.
إن فترة الدعاية قد انتهت دون أن تقوم الوسائط الإعلامية بما ينبغى أن تبصر به المجمع الانتخابى بأهمية التصويت من منطلق حق المشاركة السياسية المكفول من الدستور لكل مواطنى مصر، ولن تأتى ثمار هذه المشاركة إلا من خلال برلمان قوى يمارس دوره التشريعى والرقابى على السلطة التنفيذية، ليس من باب التقاطع معها، ولكن من باب ترشيد قراراتها وفى إطار تغطيتها للدعاية الإعلامية والإعلانية للانتخابات التشريعية فى مرحلتها الأولى، تفرغت القنوات الخاصة لاستضافة المرشحين وممثلى القوى السياسية ـ بغض النظر إن كانت هذه الاستضافات مدفوعة الأجر أم لا ـ ولم نجد أى دلائل تقود إلى تنوير المجتمع الانتخابى بالقوى السياسية (القوائم) أو الأفراد (المستقلون) وليصبح المشهد عبارة عن تلاسن بين الجميع تبادلوا خلاله الاتهامات التى وصلت إلى المساس بالسمعة والتعريض الشخصى، وتصفية الحسابات والتشكيك فى قدرة الخصم على ممارسة دوره البرلمانى. بعبارة أخرى انتقلنا إلى حالة شخصنة، وهو ما جعل الإعلام يخرج عن مساره، وكنت أتصور أن المشهد الإعلامى يأتى بشكل مغاير عبر التركيز على الجانب التوعوى للمواطن البسيط الذى يعلق على البرلمان القادم آمالًا عريضة أو هكذا ينبغى، ولا نصور له البرلمان بأنه منافس للسلطة التنفيذية، وأن العلاقة بين السلطتين ستكون صراعًا سياسيًا، وهذا نوع من الافتئات على حق المجتمع، وأن يتم توضيح مواقف الأفراد والقوى السياسية من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكيفية تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
بعبارة أخرى التعريف برؤى المرشحين مثلًا تجاه منظومة التعليم وعلاقة الإعلام بالتنشئة السياسية، ولماذا لا يظهر الدور الحزبى إلا وقت الانتخابات؟ وأثر ذلك على تكريس القيم الديمقراطية من عدمه وكيفية تطوير الخدمات الصحية، وحل مشكلات البطالة والعنوسة والتهرب الضريبى والعشوائيات والأسعار وارتفاع الدولار والخلل فى الميزان التجارى، ووقف نزيف الدم على الطرق نتيجة الحوادث وغيرها من المشكلات الحياتية للمواطن الذى يعانى ولا يلمس الجهود المبذولة لحل هذه المشكلات.
لابد أن يعرف الناخب هذه الرؤى من المرشحين، ويتعرف على السيرة الذاتية لكل مرشح خاصة الوجوه الجديدة. ونقترح أن تصمم اللجنة العليا للانتخابات موقعًا على الإنترنت توضع عليه هذه السير ومرفق بها كليب مصور للمرشح اختصارًا للوقت والجهد يساعد الناخب على التعرف على من ينتخبه، مع الأخذ فى الاعتبار أن العدد الأكبر من الناخبين لا يتعاملون مع الإنترنت ما يجب توظيف وسائل الإعلام للتبصير بالمرشحين.