المصريون يقظى، لا يُخدعون ولا يُخضعون ولا يقبلون جرجرة الدين في عالم السياسة. ما جرى لحزب النور «المُتسلفن» في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية يؤكد أن المصريين وعوا الدرس جيدا، وأيقنوا أن رافعى لافتات «الإسلام هو الحل» لا يُمثلون الإسلام بأى وجه، وليس لديهم أي حل لأى مشكلة من مشاكل الناس.
قلت وكتبت من قبل أن تجربة جماعة الإخوان عرّت التنظيمات المُتأسلمة على الساحة وكشفت سطحية وضآلة تصوراتهم بشأن الأوطان. لذا لم أفاجأ بنتائج الحزب في الانتخابات الأخيرة واعتبرت ذلك تقدما في الوعى السياسي لدى جمهور الناخبين.
إننى أعتقد أن المصريين عرفوا تماما أن النوريين أشقاء للإخوانيين، لكنهم أشقاء أشد خبثا وأعظم خطرًا لأنهم يعبدون السلفية الوهابية التي تُكفر الآخر وتُخاصم الحياة المدنية.
لم ينطل على الناس ترشيح حزب النور لأقباط وسيدات في بعض الدوائر، فالمسلسل نفسه رأيناه من الإخوان عندما كانوا يطرحون أنفسهم كتيار مُعتدل، مُستنير، مُقبل على الحياة الحديثة، لكن الوعى الذي بدأ يتشكل لدى الناس سمة إيجابية تدُل أننا نسير إلى الأمام، وأن التجارب والحوادث التي رأيناها كنتاج لدخول الدين إلى السياسة علّمت الشعب أن الوطن لا يمكن أن يسوقه تُجار الأديان ومُستغلوه، وأن المصرى مهما رأى ومهما احتك ومهما شرّق أو غرّب لديه مُسلماته ولديه إيمان حقيقى بالقومية المصرية التي ينصهر فيها المسلم مع المسيحى والصعيدى مع البحراوى انصهارا يقوده حُب الوطن.
هذا الدرس رسالة إلى صُناع القرار بأن استمرار حزب تحت لافتة دينية أمر مرفوض ومُثير للانقسام داخل الوطن. إن هؤلاء هُم مَن رفضوا السلام الجمهورى واعتبروا إبداع نجيب محفوظ ضد الدين، وحرّموا الديمقراطية التي يسعون حاليا إلى استغلالها، ومنعوا أتباعهم من تهنئة الإخوة الأقباط بأعيادهم. هؤلاء هُم مَن حرّموا النظام البنكى ورفضوا التشريعات المُنظمة للاقتصاد ورفضوا ولاية المرأة واعتبروها مخلوقا مُسخرا لخدمة الرجل.
النور يا سادة هو الحزب المُتلون الذي أظهر عكس ما أظهر زمن الإخوان. الحزب الذي استمد وجوده من جماعات السلفية الكريهة التي حولت الدين إلى وسيلة ثراء وساقت الأتباع وأخضعتهم لسلطان ونفوذ شيوخها خِداعا وزورا.
لا يستحق الحزب إلى أن يكون له مكان في برلمان جديد، يشارك في حكم مصر، ويعمل كمراقب حق لسياسات الدولة التنفيذية. برلمان مهما اختلفنا معه أو حوله يختلف تماما عن برلمانات سابقة اعتاد أعضاؤها التصفيق والزعيق، لم تُعبر عن إرادة المصريين أو رؤاهم.