لست من هواة افتعال تضاغط مع النظام الحاكم، حتى ينتبه لى بعض نجومه أو رموزه فأطرح نفسى عليه- بالعافية- رقما فى المعادلة المصرية.
لا هو من طبيعتى ولا من أخلاقى ولا هو يعكس تقديرى لنفسى، ولمنجزى المهنى والوطنى عبر أربعين عاما.
ومن ثم، فإن ما سوف أذكره- حالا- لا يستهدف إلا مساندة هذا النظام، الذى أنذر- حتى اللحظة- كل ما عندى من منطق ومعرفة لتدعيمه، انطلاقا من إيمانى المطلق بضخامة الدور التاريخى الذى لعبه القائد فى إنقاذ بلادنا من براثن الإخوان الإرهابيين الذين تمكنوا من مصر، وراحوا يدفعونها (معصوبة العينين) إلى هاوية سحيقة، وكادوا أن يسلموا بلدنا إلى المتآمرين عليها الذين صاغوا مشهد عملية يناير ٢٠١١ الملتبس على نحو يؤدى إلى التخلى عن أجزاء من التراب الوطنى، وتنفيذ جزء من المخطط الأمريكى العفن بتقسيم بلادنا التى يحوم حولها الأمريكيون- حتى الآن- بالمشاركة مع الأتراك والقطريين والحمساويين الإجراميين، وكل الدول الغربية التى حركت ١٦ جهاز مخابرات دوليًا ضدنا فى ميدان التحرير، بالتشارك معهم لتنفيذ مخطط هدم الدولة.
نعم، أقف- وسأستمر- بكل ما أملك مع هذا النظام وقائده، ولكن ذلك لا يمنعنى من تصويب ما أراه محتاجا إلى تصويب، وإبداء الرأى حتى بالمخالفة مع ما يتبناه الحكم أو ينطق به.
وانطلاقا من كل ما سبق، فإننى سأناقش- الآن- فكرة أظنها على جانب كبير من الأهمية، إذ صدرت العشرات من القرارات الرئاسية والحكومية، من دون أن نعرف ما هى العوامل التى صاغتها على النحو الذى صدرت به، لا بل ولا نعرف جهات المشاركة فى إصدار القرار، ولا أى منها تقاسم التفكير أو صياغة القرار، وربما الأنكى من ذلك كله أن اختيارات عدد كبير من الأشخاص لشغل الوظائف العامة، جاءت خالية من أى تدقيق، على الرغم من أن السيد رئيس الجمهورية بنفسه أكد عدة مرات على الكفاءة فى زيارته لهيئة الرقابة الإدارية أو حديثه إلى الصحفيين فى الترسانة البحرية أو فى توجيهاته إلى رئيس هيئة الرقابة الإدارية أثناء اجتماعهما فى قصر الاتحادية. نحن أمام اختيارات يتكشف- فى كل يوم- جوانب مروعة من سجلها الأخلاقى والذممى، وكذلك حجم اتصالاتها الخارجية التى تتم- فى معظمها- على حساب المصالح الوطنية، وكأن المعيار الوحيد للاختيار الانتقائى فيها هو استبعاد ما احتج عليه شباب الخمسة وعشرين من يناير (أقول الخمسة وعشرين بالألف واللام لأن قادتهم هم خمسة وعشرين استفردوا بجميع منصات ومنابر التعبير).
بات ذلك هو المعيار الوحيد الخاطئ والمعيب لاختيار الناس، والذى أدى إلى فقدان هذا البلد لفرص استغلال مئات الألوف من كوادره لمجرد أنهم ظهروا فى مشهد نظام ما قبل الخمسة وعشرين من يناير!!
ومع ذلك فإن نظرة واحدة عابرة لمن يتم اختيارهم وفى مؤسسات دولة استراتيجية خطيرة، تقول بأن معظمهم تم اختياره فى غياب أى معايير مهنية، وأزيد فأقول (أو وطنية) ثم أزيد- مرة ثالثة- فأقول (أو-حتي- نفسية وعصبية)، ويهمني- بالنسبة للنقطة الأخيرة بالذات- أن أشير إلى أننى كنت شديد الاندهاش حين أثيرت ضجة ضرورة الكشف الطبى على المرشحين لمجلس النواب، والمرشحين لشغل الوظائف العامة، على الرغم من أن كلنا يعرف أن مثل تلك الفحوص لم تجر على أغلب الذين تم تعيينهم فى سنوات خمس خلت، وفيهم من تقتضى حالته على المستويات العصبية والنفسية بل والعقلية ما يحتاج لإخضاعه إلى فحص دقيق، واستبعاده لعدم الصلاحية.
هذا عن الجزء النفسى والعصبى، فإذا رجعنا إلى شروط السمعة والانضباط الإدارى والمالى، فإن كثيرا من الفضائح التى يعلم بها القاصى والدانى آن لها أن تكون محل اعتبار.
نحن لم نعد- مرة أخري- نعرف كيف تصدر القرارات ومن يشاركون فى صدورها، لا بل ولم نعد نعرف كيف تم وضع أولئك الذين يشاركون فى تشكيل القرار السياسى بالرأى فى أماكن حاكمة وتسلموا مسئولية الاضطلاع بمهام خطيرة.
لا بل ونحن نسمع- أحيانا- عن متابعة وزراء الحكومة من خلال تقارير المتابعة، فهل يتم تحرير تقارير المتابعة عن الوزراء فحسب أم أن الأمر يشمل آخرين فى مستويات مختلفة من صفوف الإدارة المصرية؟.
هذا عن اختيارات الأفراد الذين يشغلون المناصب العامة، فإذا عدنا إلى السياسات والقرارات وطريقة صناعتها وصياغتها، فإننى لن أتكلم عما يسمى (المشاركة الاجتماعية أو الحوار المجتمعي) فى صنعها، لأننى أعتقد- فى ظل ظروف بلدنا التى أعقبت عملية يناير ٢٠١١، أن التشارك فى مناقشة قانون أو سياسة أو قرار يعني- قولا واحدا فصلا- تغلب أصحاب الصوت العالى والاتجاه الواحد المسيطر الذين هيمنوا على قطاع كبير من السلطة، والذين سيفرضون وجهات نظرهم بما لا يعد نتاجا لحوار مجتمعى ولكنه نتاج حوار بين أفراد نخبة مسيطرة وبعضهم البعض!
كل ما نطمح إليه ونترجاه- فى ظل السياق الحالى بكل تفاصيله هو أن نعرف كيف يتم تشكيل تلك القرارات والسياسات والقوانين دون- حتي- الإغراق فى شرح مضامينها. ولا أدرى ما هى الآلية التى تتيح للناس معرفة تلك الأمور، إلا التحلى ببعض الشفافية التى تسمح لنا بتكوين إدراك عام حول ما يجرى، من دون- بالطبع- أن يكون فى ذلك تعرض لمسائل الأمن القومى التى لا يجوز نشرها على الملأ.