من عادة الصحفيين ألا يعترفوا بنجاح بعضهم البعض، كل منهم يرى ما يفعله هو الكمال المطلق، لا يعترف للآخرين بفضلهم وإنجازهم، لكنى تعودت أن أعترف للآخرين بما يقدمونه، ولذلك فإننى أقر بأن الزملاء فى «المصرى اليوم» على مدار أكثر من عشر سنوات، قدموا تجربة خاصة ومتميزة ومتفردة فى الصحافة المصرية، ليس فى حاضرها فقط، ولكن فى تاريخها كله، وهو حكم موضوعى جدًا بحكم تخصصى فى تاريخ الصحف المصرية.
ولأن التجربة عظيمة، يعز علىّ أن تكون الأخبار القادمة منها مجرد متابعات لخلافات واعتصامات وشهادات عن عبث كامل، يقوم به أحدهم، فى مفاصل الجريدة، معتقدًا بذلك أنه ينقذها، ويقدم حلولا عبقرية، رغم أنه شخصيا بلا موهبة ولا كفاءة، فإذا كان لكل ولى كرامات، فإن هشام قاسم الذى يتولى إعادة هيكلة «المصرى اليوم» بلا أى كرامات، فقد سطا على إنجاز عدد من أهم الصحفيين فى مصر ونسبه لنفسه، وهو الإنجاز الذى وقف خلفه عدد من رجال الأعمال قرروا أن يؤسسوا لتجربة مهنية تترك علامة على حائط الصحافة المصرية.
يحمل هشام قاسم - يقدم نفسه كناشر صحفى، وأهم من رئيس تحرير الصحيفة - كراهية مطلقة للصحفيين، بما يعكس معاناته النفسية الهائلة من عجزه عن أن يكون صحفيًا ناجحًا أو كاتبًا له قيمة، ولذلك تراه يتحدث بتعال وعجرفة لا تتناسب أبدًا مع من فشل فى إصدار تجربته الخاصة التى صدعنا بها لسنوات، رغم أنه لم يترك وراءه سوى سراب.
لقد غضب البعض من التقرير الذى نشرته هنا فى «البوابة» عن اتصالات بين هشام قاسم والملحق الإعلامى للسفارة الأمريكية، دارت فى بعضها عما يحدث فى «المصرى اليوم»، أنكروا أن يكونوا قد تحدثوا مع أحد، أو عقدوا اتفاقيات مع أحد، فكل ما يريدونه أن يعيدوا هيكلة جريدتهم، حتى تستمر، فهم لن يتحملوا الخسائر التى يمكن أن تقودهم إلى إغلاق الجريدة نهائيا.
لن أشكك فى حسن نواياهم ولا فى تقديرهم لما يفعلونه بجريدتهم، لكن يبدو أنهم لا يدركون بالفعل قيمة وأهمية أن يكونوا من ملاك «المصرى اليوم»، فهى ليست مشروعا استثماريا من مشروعاتهم، التى يمكنهم أن يأخذوا قرارًا سريعًا أو متسرعًا بإغلاقها، حتى يريحوا رءوسهم من أزماتها، المصرى اليوم تمثل جزءا من تاريخهم وقيمتهم، وأعتقد أنه لولا «المصرى اليوم»، لكانوا مجرد رجال أعمال لا أكثر ولا أقل، نتابع أخبار مشروعاتهم وأزماتهم، لكن الجريدة منحتهم زخما، وجعلت منهم رصيدا فى قوة مصر الناعمة، ولو لم يحافظوا على ما لديهم، فسوف يكونون الخاسر الأكبر.
عرفت أن صاحب الجريدة لم يتواصل مع السفارة الأمريكية، لكن لماذا لم يسأل هشام قسام عن اتصالاته بها؟ ولماذا لم يتحدث معه عن إقحامه الملحق الإعلامى بالسفارة فى أمر يخص الجريدة؟ ولماذا يحمل الجريدة معه فى الأوساط السياسية المشبوهة التى يتحرك بينها؟ ولماذا لم يراجعه فى تصريحاته التى تنم عن جهل بين بما تعانى منه صحيفته؟ ولماذا لم يعاتبه على الفتنة التى بثها فى الجريدة؟ فأصبحت مصدرًا لأخبار المشاكل والأزمات، بعد أن كانت مصدرًا للمعلومات والانفرادات والأفكار اللامعة والبراقة؟
مصادر من داخل «المصرى اليوم»، أثق فى موضوعيتها ونزاهتها المهنية والإنسانية، أكدت لى أن هشام قاسم لا يشغل أى منصب رسمى فى الجريدة، وأن أكثر من ٩٠ بالمائة من الاقتراحات التى قدمها ضربوا بها عرض الحائط، لكن ما يصدره هشام عكس ذلك تماما، فهو يريد تطويع الجريدة لما يراه هو، أو بالأدق لما يخطط له.
هشام قاسم سوداوى، يحمل غلا وحقدا ضد الدولة المصرية، ونظامها، وهو ليس بعيدًا عن المجموعة الضالة التى عملت على التمهيد لتمكين المشروع الأمريكى فى المنطقة، ولذلك يعمل جاهدًا على جعل «المصرى اليوم» واحدة من أدواته لمواجهة المشروع الوطنى المصرى، أو على الأقل يروج لذلك فى الدوائر التى يتحرك فيها، فهل يعلم صاحب الجريدة شيئًا عن هذا؟ وإذا كان يعلم فهل يوافق عليه؟
المسألة ليست إعادة هيكلة صحيفة، فكل الصحف تعيد هيكلتها فى هدوء، لكن ما يحدث فى «المصرى اليوم» ليس أزمة مهنية واقتصادية فقط، ولكنها أزمة اجتماعية أيضًا، يقومون بالهيكلة، يتعمدون إغفال حياة من يريدون تسريحهم، يمكن أن يكون لدى صلاح حق فى المطالبة بتفرغ رئيس التحرير، لكن الشباب الصغير الذى لا يستطيع أن يبنى نفسه من مكان واحد، كيف تجبره على الخضوع بهذه الطريقة المهينة.
على صاحب الجريدة أن يعيد النظر فى كل ما يفعله فى «المصرى اليوم»، فهى جزء من تاريخه وقيمته وأهميته، وهو كلام أقوله بإخلاص شديد من أجل الرجل، ومن أجل الكتيبة المجاهدة التى بنت «المصرى اليوم» بعرقها ودمها ودموعها، ثم يأتى بعد ذلك كله هشام قاسم المتسكع فى طرقات الصحافة لينسب كل ذلك إلى نفسه.