أدركت إسرائيل في الأول من يوليو ١٩٦٧ أن النصر الذي حققته في الخامس من يونيو، لن يكون نهاية المطاف وأن المصريين لن يرضوا بالهزيمة، وقد تجلى ذلك بوضوح في أول مواجهة حقيقية بين الجيشين، والتي تمت في منطقة رأس العش، وانتهت بخسائر فادحة في صفوف الجيش الإسرائيلى، فعلموا أن القادم صعب وأن الجيش الجريح يستعيد عافيته في سرعة مذهلة، وفى الرابع عشر من يوليو أي بعد عدة أيام من معركة رأس العش، قامت قواتنا الجوية بطلعات مفاجئة كبدت فيها القوات الإسرائيلية الموجودة بسيناء خسائر كبيرة، وأجبرت بعضًا منها على الفرار نحو الشرق ومن هنا زادت الثقة لدى المقاتلين المصريين فكانت معارك المدفعية في العشرين من سبتمبر ٦٧ حيث تمكنت المدفعية المصرية من تدمير وإصابة عدد غير قليل من الدبابات الإسرائيلية قدرت بنحو تسع دبابات، وفى نفس العام ٦٧ تم إغراق المدمرة إيلات، والتي كانت تشكل ثلث القوات البحرية الإسرائيلية، وهكذا فقد استطاعت قواتنا المسلحة إعادة البناء النفسى والمعنوى في وقت قصير للغاية، وآثرت الابتعاد عن الصراع السياسي الذي حدث عقب استقالة المشير عبد الحكيم عامر، فقد آمن قادة الجيش بأنه لا مناص عن المعركة واسترداد الكرامة، ولذا قرروا عدم الالتفات إلى أي صراعات أو مشكلات من شأنها التأثير على الهدف الأساسى لهم، أو فك أواصر هذا الجيش العظيم، فمصلحة الوطن أهم من الأفراد، وكان من الضرورى أن يستمر الجيش في تدريباته، وإعادة بنائه مرة أخرى بشكل علمى مدروس ليبدأ مرحلة جديدة من الكفاح، وهى ما أطلق عليها حرب الاستنزاف، والتي تكبدت فيها إسرائيل خسائر لا حصر لها وأفقدتها الروح المعنوية العالية التي سادتها عقب الخامس من يونيو، لدرجة أنها فقدت توازنها، وبدأت ترد على ضربات الجيش المصرى بضربات موجهة للمدنيين من أبناء شعبنا، فقصفت مدرسة بحر البقر الابتدائية في محافظة الشرقية يوم ٨ إبريل ١٩٧٠، ونتج عن ذلك استشهاد ٣٠ طفلًا وإصابة ٤١ آخرين أعمارهم ما بين السادسة والثانية عشرة، وذلك في جريمة وحشية يندى لها الجبين، وكذلك استشهد عشرات من العمال في مصنع بأبو زعبل وإذا فكرنا بتحليل هذه الضربات التي وجهتها إسرائيل للمدنيين من عمال وأطفال سندرك أنها لم تفعل ذلك إلا انتقامًا من جيشنا الذي كبدها خسائر فادحة أثناء حرب الاستنزاف، ويكفى أن نذكر أن سلاح الجو الإسرائيلى قد فقد أكثر من ٢٧ طائرة وذلك حسب اعترافهم، أما القوات البرية فقد خسرت طوال حرب الاستنزاف ٧٢ دبابة و١١٩ مجنزرة و٨ مدافع هاون وفى المجال الاقتصادى تكبدت إسرائيل خسائر مالية باهظة نتيجة رفعها الدائم لحالة الطوارئ، وقد نشرت المجلة العسكرية لجيش الدفاع الإسرائيلى أن قواتهم قد فقدت خلال حرب الاستنزاف وبسببها أربعين طيارا، وأن خسائرهم في القوات البرية قد بلغت ٨٢٧ قتيلا و٣١٤١ جريحا وأسيرا، وهذه الأرقام تقل كثيرا عما ورد بكتاب «ريفى شيف» المحلل العسكري الإسرائيلى وكتاب «شلدمو جازيت» سكرتير رئيسة الوزراء للشئون العسكرية وقتها عن نفس الموضوع، ولكن لم تقف إسرائيل مكتوفة الأيدى أمام هذه الخسائر التي تكبدتها، حيث قررت إنشاء ساتر ترابى بعرض قناة السويس، وبارتفاع يصل في بعض الأماكن إلى ٢٢ مترا، وذلك لفصل سيناء تماما عن مصر، ومنع تقدم الدوريات المصرية إليها، حيث كان جنودنا البواسل يعبرون القناة ليلًا، ثم يقومون بأعمال بطولية وفدائية ويعودون مرة أخرى، ولذا فكر حاييم بارليف رئيس الأركان الإسرائيلى في إنشاء هذا الساتر وتحصينه بأساليب متطورة، لتعجز أعتى الجيوش عن عبوره، وقد استعان بارليف بخبراء من أمريكا وألمانيا وبلجيكا في إقامة هذا الساتر، ولأن عبدالناصر فكر في ضرورة التقاط الأنفاس لشن حرب شاملة، فقد وافق على مبادرة وزير الخارجية الأمريكى روجرز والخاصة بوقف إطلاق النار، وكان ذلك في أغسطس ٧٠ أي قبل وفاته بشهر واحد.. وللحديث بقية.
آراء حرة
أكتوبر العظيم "3"
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق