لقد عجز باريل عن التفسير والإجابة عن تساؤل الجنرال المصرى العجوز عن أسباب قبول إسرائيل بإخلاء سيناء من جيشها، طالما أنها منتصرة.
وفى نفس السياق وبنفس الرؤية تقريبا وبعد عام كامل يكتب زفى باريل فى جريدة هآرتس بتاريخ ١٣ سبتمبر ٢٠١٣ مقالا بعنوان «حرب يوم الكيبور: مأساة فى عيون الإسرائيليين وانتصار فى عيون المصريين».
يستهل باريل مقاله بالتقاط مشهد قد نمر عليه نحن، دون أن ندرك دلالته التى تلتقطها العين الإسرائيلية. شركة مصرية تعلن فى الصحف عن فرصة لتملك شقة فى «مدينة العبور أمام بانوراما أكتوبر» ويشرح باريل للقارئ الإسرائيلى معنى كلمة العبور، وكيف أنها تشير إلى عبور الجنود المصريين للقناة فى بداية الحرب، ويشير إلى بانوراما أكتوبر باعتبارها مزارا سنويا لآلاف الطلاب المصريين، يضم نماذج متحركة لمشاهد الحرب.
يقول باريل إنه لا يوجد شارع فى إسرائيل يحمل اسم تلك الحرب؛ فى حين أن كلمة «أكتوبر» لم تعد تشير لدى المصريين إلى مجرد شهر من شهور السنة. لقد أصبحت اسمًا لكوبرى ولمدرسة ولحى ولمجلة أسبوعية ولنادٍ رياضى ولمطعم.
لقد أصبحت فى عيون المصريين رمزا لعظمة الجيش المصرى كما أصبحت مقياسا لانتصارات المصريين.
لقد قارن بعض الكتاب المصريين انتصار أكتوبر بالإطاحة بمبارك، وصرح ضاحى خلفان المسئول الأمنى الإماراتى بأن حرب الجيش ضد الإرهابيين فى سيناء تشبه حرب أكتوبر، وصرحت الناشطة السيناوية منى برهوم بأن المواجهات العسكرية فى سيناء هى الأعنف منذ حرب أكتوبر، بل إنه عندما ألغت الولايات المتحدة مؤخرا مناورات النجم الساطع المشتركة مع الجيش المصرى، صرح المعلق العسكرى الجنرال المتقاعد مختار قنديل بأن «مصر قد انتصرت فى حرب أكتوبر دون النجم الساطع».
بل إن مكتبة الإسكندرية قامت بتجميع ذكريات أكتوبر، ضمن مشروع أطلقت عليه اسم ذاكرة مصر وفى صفحتها على الإنترنت العديد من الخرائط والصور والوثائق التى يضاف إليها سنويا ما يتم التوصل إليه من وثائق نادرة، فقد أضيف هذا العام مثلًا ١٤٦ صورة للجنرال سعيد الماحى قائد مدفعية أكتوبر، وتتصدر المجموعة بطبيعة الحال صورة أنور السادات بطل الحرب والسلام كما كان يطلق عليه الإعلام الحكومى بعد توقيع كامب ديفيد.
ويشير المقال فى خاتمته إلى أن «الجنرال السيسى لم يشارك فى حرب أكتوبر حيث أكمل دراسته بعد مرور ٤ سنوات على انتهاء الحرب وبالتالى فذكرياته عن الحرب مكتسبة غير مباشرة، ولعله لو قرأ كتاب سعد الدين الشاذلى عن ذكريات حرب أكتوبر، فإنه سوف يدرك أن العراك بين الجنرالات أثناء الحرب حرم مصر من تحقيق نصر أكبر، ولكن ذلك العراك لا يعرف سبيله للتوثيق فى مزار تاريخى مثل بانوراما أكتوبر».
ويكاد بارى شاميش ـ رغم أنه من معارضى السياسات الحكومية الإسرائيلية ـ أن يكون نموذجا متفردا فى هذا الصدد، إذ أرجع الأمر لمؤامرة أبرمها هنرى كيسنجر مع موشيه دايان للسماح للعرب بانتصار بسيط يدفع بهم إلى مائدة التفاوض.
نشر بارى شاميش فى الثانى عشر من إبريل ٢٠١٢ بموقعه على الشبكة العنكبوتية مقالًا بعنوان «التليفزيون الحكومى الإسرائيلى يكشف أخيرا مؤامرة دايان ـ كيسنجر» خلاصته أن هنرى كيسنجر وموشيه دايان قد قاما بما أطلق عليه الكاتب بارى شاميش «طبخ حرب يوم الكيبور الكارثية بحيث يستطيع العرب كسب الحرب» وكان السر هو ذلك الاتفاق أو «الطبخة» بين دايان وكيسنجر على تمكين العرب من نصر محدود تضحى فيه إسرائيل بمائة أو مائتين من جنودها مقابل قبول العرب بمفاوضات سلام.
ويشير الكاتب إلى أن تلك «الطبخة» قد كلفت إسرائيل دماء أكثر من ٢٠٠٠ جندى إسرائيلى سقطوا فى يومين. وأن الخطة قد اكتملت بإجبار الرئيس كارتر مناحم بيجن على تعيين دايان وزيرا للخارجية، والذى استغل موقعه الجديد للضغط على بيجن لتوقيع معاهدة سلام مع مصر «يسترد بها السادات كل بوصة من أرض سيناء التى أصبحت اليوم مأوى لأنفاق حماس».
ويختتم شاميش مقاله بالإشارة إلى أن رابين الذى وافق على تلك الطبخة من أجل السلام لقى مصرعه بعد ذلك من أجل السلام أيضًا.
ترى ألا تذكرنا رؤية بارى شاميش برؤية مشابهة تبناها ـ وربما مازال ـ فريق منا؟
وللحديث بقية