السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الإعلام وتغييب وعى المتلقى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أى راصد للمشهد الإعلامى الحالى، سرعان ما يكتشف ظواهر خطيرة ومدمرة للعقل والفكر، تأتى تحت عنوان «حرية التعبير».
فمن الثابت علميا أن حرية التعبير فى وسيط إعلامى عندما تصبح بلا ضابط أو رابط، فإنها تتحول إلى فوضى تقود إلى انهيار قيمى وأخلاقى وقبلهما مهنى، وفى هذا المجال سوف أطرح عليكم نموذجين من النماذج البرامجية التى أقوم بتدريسها فى كلية الإعلام.. النموذج الأول موضوع توظيف الاختلافات بين المذهبين السنى والشيعى سياسيًا، فمن المعروف أن هذه الاختلافات ولا أقول الخلافات، موجودة منذ أن عرف المسلمون المذهبين بعد ما يعرف بالفتنة الكبرى، وكان المسلمون فى صدر الإسلام فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرفون التشيع أو التحزب، وهذا ما كان يجب أن نعظمه ونؤكده ونبنى عليه وبه نواجه أعداء الإسلام، لكن البعض لسبب ما يفجر ألغامًا اليوم ويخلط بين الاعتقاد المذهبى والصراع السياسى، وأقول إن هذا يتم إما عن جهل أو عن عمد، وفى كلتا الحالتين أمر مرفوض من هنا الخلافات الفكرية موجودة منذ زمن، والسؤال لماذا فى هذا التوقيت تتم إثارتها إعلاميا؟
هناك من يحاول بخبث واضح، إعادة رسم خريطة المنطقة السياسية ويستغل أطماع بعض الأطراف الإقليمية التوسعية فى إحكام منطقه التآمرى حتى تبدو الأمور كما لو كانت طبيعية، فمن المعروف أن هناك عدم استقرار فى اليمن وليبيا والعراق وسوريا نتيجة أطروحات ما يعرف بنظرية الفوضى الخلاقة التى ترجمت إلى ثورات الربيع العربى مستغلة الأوضاع السيئة فى كثير من الدول العربية، ومن ثم جاءت الثورة مثلًا فى مصر فى ٢٥ يناير ٢٠١١ متسقة مع تردى الأوضاع إبان حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك واستغلها مروجو النظرية المذكورة لإذكاء نار الفتنة التى حرمت الثورة من مشروعيتها واستمرارها ومنعت الانتقال بها من مرحلة التغيير الجذرى إلى إعادة البناء، بعبارة أخرى حدث الهدم ولم يتم البناء وهو المطلوب وعندما قامت ثورة ٣٠ يونيو وجهت ضربة قاضية لمروجى نظرية الفوضى الخلاقة، واعترفت بذلك هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة فى كتابها الأخير «الاختيارات الصعبة»، ولهذا لجأوا إلى إشعال الفتنة المذهبية وحتى تتضح الصورة لا خلاف على وجود أطماع إيرانية فى المنطقة فى ظل حالة التفسخ العربى الحالى وهذا يصنف تحت عنوان الصراع السياسى وليس المذهبى، وعليه جاء الخلط طالما أن إيران طرف فى هذا الصراع، فإن الفرصة تصبح مواتية لتفجير لغم الخلاف السنى الشيعى، بحكم أن غالبية العرب من أهل السنة وإيران وبعض الطوائف العربية، يمثلون المذهب الشيعى وأقول هذا خلط متعمد لأن مصر على سبيل المثال وطن لأهل السنة لكن المصريين يعشقون آل البيت، وقيل إن مصر بلد سنى شيعى الهوى ورغم تحفظى النسبى على هذه المقولة الأخيرة إلا أنها تدل على وسطية وسماحة المصريين وأن المصريين بالفطرة ليسوا مذهبيين، ومن هنا يصبح استغلال الخلافات بين المذهبين فى الإعلام نوعًا من الدعاية التى تستهدف الترويج لمؤامرة تقسيم المنطقة العربية، ومن يتحدث عن أن هذه منطقة سنية وأخرى شيعية من المنتظر منه أن يحدثنا غدا عن منطقة مسلمة وأخرى قبطية أو نوبية أو أمازيجية أو كردية أو درزية، ويتناسى هؤلاء أن الجميع يجمعهم الإسلام والعروبة واللغة العربية تحت ظل العروبة والإسلام.
والنموذج الآخر من النماذج الصارخة الآن فى المشهد الإعلامى هو اللجوء إلى أساليب إعلانية فى إدارة العملية الإعلامية، وأوضح مثال ظهور برامج تدخل كل بيت، وتتناول قضايا لا يصح تناولها إلا خلف أبواب غرف النوم المغلقة، ما يعد أمرا صادما للنظام القيمى والأخلاقى للمجتمع.
فمن الملاحظ أن الموضوعات الجنسية أضحت مادة متكررة فى كثير من القنوات الفضائية، بعد أن اقتحمت الدراما المصرية خاصة فى شهر رمضان!!
كلمة أخيرة من الصعب أن تبنى عقل وفكر شخص، لكن من السهل أن تدمر عقل وفكر أمة، ياليت زملائى الإعلاميين يتوخون الحذر فى التصدى للموضوعات التى تتصل بفكرة «فرق تسد» سياسيًا أو مذهبيًا، وكذلك الموضوعات التى لها علاقة مباشرة بالنسق القيمى والأخلاقى، والتى تؤثر على هوية الأمة وإياكم أن تجعلوا من شعار حرية التعبير وسيلة للتدمير.