تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
ظهرت بعض التعليقات من صحفيين ونقاد تمدح تمثيلية (عبدالمعطي) وعندما تكرر بثها فى نفس العام والعام التالى شجع هذا الصحفى الكبير صلاح حافظ مدير تحرير «روزاليوسف» وقتها أن يتجرأ فينشر لى قصة قصيرة باسم (المبلغ) فى ١٥ يوليو ٦٨ أى بعد عام من التمثيلية، ولكن مع قصتين لشابين غيرى حتى لا أكون أنا فقط فى الصورة، ربما خوفا من أن أشبهه! وكان هذا مفهوما لأنه كان له ماض اشتراكى قبل حكومتنا الاشتراكية! وحتى لا يراجعه أحد، كتب مقدمة يؤكد فيها أنه ينشر هذه القصص لمرة واحدة ولن تكررها المجلة! وكأنه يعتذر.. وهو ما حصل بالفعل. وبعدها بعشرة أيام تشجع الأستاذ عبدالله إمام ونشر لى قصة قصيرة فى جريدة العمال الأسبوعية التى تصدر عن اتحاد العمال وكان مديرا لتحريرها. رغم أنهم رفضوا قصة لى قبل ذلك باسم ( فيتنام).
بعد قليل فى خطوة أكثر جرأة، كلفنى الأستاذ عبدالله إمام بكتابة عامود أسبوعى عن الحياة. وبعدها أوكل إلىّ الإشراف على الصفحة الأدبية كلها وأصبحت رقيبا على نشر القصص القصيرة. لكن من الناحية الفنية لا السياسية، فقد كان مدير التحرير له الحق فى حذف أى مادة يراها وكان النظام وقتها ضد الهيمنة الأمريكية، وعن طريق هذه الصفحة تعرفت على كثير من الصحفيين والكتاب والأدباء والشعراء وتعرفوا بدورهم علىّ وأجريت أحاديث مع معظمهم. وعلى رأسهم محمود أمين العالم، الذى كان سكرتيرا للحزب الشيوعي (حدتو) الذى وقع إقرار حل الحزب فأفرج عنه وخرج هو ومن معه، وانضم بعضهم للعمل فى خدمة النظام. وأخذوا مواقع لا بأس بها وكذلك أحاديث لأنيس منصور ونعمان عاشور وأحمد عبدالمعطى حجازى ومع الشعراء الشبان وقتها عبدالرحمن الأبنودى وأمل دنقل وسيد حجاب وشعراء كثر علاوة على نشر قصص كثيرة للأدباء الشبان الذين لا أعرفهم وأغلبهم نشرت لهم لأول مرة. وكنت قد دعوت لمسابقة للقصة القصيرة بين مؤتمر للأدباء الشبان فى الأقاليم. فسبحان مغير الأحوال!. لكن كنت أتحدث يوما من تليفونى عندما قال لى محدثى إن تليفونى مراقب. ولم أعبأ بل ضحكت فلم أكن يوما فى تنظيم سرى ثم إن مكالمات المنزل تتعلق بمغامرات عاطفية فقط!.
ثم فكرت أنه ربما كانت المراقبة لأمى أو لكلينا. رغم أنها قد ودعت العمل السرى منذ سنوات. وجاءت الإجازة من المعهد واحتشدت وسط انشغالى فى جريدة العمال لكتابة تمثيليتين واحدة باسم (نظارة عم صابر) بطلها عامل بسيط يريد أن يحصل على نظارة رخيصة الثمن لكن رقابة التليفزيون رفضت التمثيلية الأولى بالكلية، ولم تكتف بذلك بل كتبت تقريرا يحرض على شخصى الضعيف. ودعانى المخرج أن أناقش الرقيب لعلى أقنعه بها أو حذف بعض ما يرونه خطرا على الأمن القومى!.
لكنى وجدت نفسى أمام رئيس الرقابة وليس اللجنة التى قرأتها فقط. وكان هو محمد على حماد الصحفى اليمينى المعروف وقتها والذى كان يرأس مجلة سابقا أظن أن اسمها (الشعلة). تعجبت لأن حكومتنا الاشتراكية تعين صحفيا يمينيا يعادى الاشتراكية بشدة فى هذا المكان، فقد كنت غرا. لأن الرقيب اليمينى أفضل من يراقب كل ما هو اشتراكى.
فالنظام لا يقصد الاشتراكية بقدر ما يقصد التغرير بالطبقة العاملة!.كان أهم ما جاء بالتقرير جملة (الكاتب من جماعة اليساريين الجدد الذين يهاجمون محمد حسنين هيكل) !! يا خبر أسود ومهبب.. هجوم على هيكل مرة واحدة ؟! كنا فى أغسطس ٦٨ وكان الزعيم الذى تغاضى عن بعض النقد بعد تمثيلية التنحى لثلاثة أشهر قد أصدر بعدها فرمانا سريا بعدم التعرض لهيكل بأى نقد!. بمن فيهم كبار الصحفيين والكتاب بل كبار السياسيين! الغريب أن التمثيلية تقع أيام الاحتلال قبل ١٩٥٢ عن عمال يكافحون الإنجليز ومعهم ابن رجل رأسمالى. وبالتالى لا يوجد بها ناصر ولا هيكل فهل رفضها الرقيب لأنها تتحدث عن مقاومة الإنجليز؟ أم بسبب شخصية تسأل (من قرأ جرنان «الآثار» بتاع الجمعة دي) فيرد آخر (المقالة اللى بتطالب بالمفاوضة السريعة) ويقول آخر (كاتبها «حسن البهلوان». طبعا هو فيه حد غيره بيدافع عننا يا محترم).. حاولت مناقشة الرقيب ولكن هيهات. فالرجل عنده تعليمات بتجنب أى شبهة إسقاط. ولم يكن هناك أى شيء آخر يؤخذ على القصة إلا إذا كانت بسبب جريدة (الآثار) وربما اسم (حسن البهلوان). وكان يمكن أن يشطب الثلاث كلمات ولم أكن سأعارضه. لكنى فهمت أنه متلهف على منع العمل بسبب اسمى. وقبل أن أترك الرقيب قال لى خافضا صوته حتى لا يسمعنا أحد (يعنى بذمتك إنت عاجبك اللى حاصل فى البلد دلوقت؟) وراح يكيل النقد للأوضاع الجارية!.