الخميس 16 يناير 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

بالصور.. "جداريات الحج".. عادة تتوارثها الأجيال بالأقصر.. تراث شعبي للتعبير عن أداء الفريضة المقدسة.. والكعبة المشرفة ومقام إبراهيم أبرز الرسومات على حوائط الحجيج

أحد أشهر رسامي جداريات
أحد أشهر رسامي جداريات الحج الرسام "مصطفى سمنقير"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بالتزامن مع عودة الحجيج من بيت الله الحرام كل عام، تتزين جدران المنازل الخارجية، وخاصة تلك التي تقع في الأحياء الشعبية والأسر التي تسكن البيوت المبنية من الطين أو "الطوب اللبن"، بالعديد من الرسومات والعبارات الخاصة بتهنئة حجاج بيت الله الحرام.

ومنذ قرون، أصبحت رحلة الحج لبيت الله الحرام بروحانياته التي تتعلق بها القلوب مصدر إلهام لكثير من الفنون الشعبية، حيث استلهم الفنانون الشعبيون ذلك الفن المعروف باسم "الجرافيتي"، أو "فن جداريات الحج"، كمظهر من مظاهر الاحتفال بعودة الحجاج من الأراضي المقدسة٬ فكانت عائلة الحاج تستقبله بلوحات فنية تستخدم فيها جدران منزله الخارجية كخلفيات لها حتى أصبح تقليدًا شعبيًّا خاصة في المناطق الشعبية والقرى والنجوع بمحافظة الأقصر.

"البوابة نيوز" التقت أحد أشهر رسامي جداريات الحج بمحافظة الأقصر وهو الرسام "مصطفى سمنقير" الذي أكد لنا أن كل ما يحتاجه هو "ريشة وسلم أو السقالة الخشبية ومجموعة من الألوان الزيتية" مؤكدًا أنها أدوات غاية في البساطة وقد تستبدل هذه "السقالة" بأحد البراميل الضخمة الفارغة ليقف عليها ويقم بالرسم في الأماكن العالية بمنزل العائد من الحج وذلك قبل نحو ثلاثة أيام من وصوله.

وأوضح "سمنقير"، أن المادة الفنية التي يصورها في جدارياته مستوحاة –غالبًا- من المناسك٬ بدءًا من وسيلة السفر حيث يتم تصوير "الجمل" بشكل واسع النطاق لأنه أقدم وسيلة سفر لأداء مناسك الحج٬ وذلك رغم أن أحدًا لم يعد يستخدمها الآن٬ ورجل يقود الجمل بواسطة حبل٬ وفى بعض الأحيان يكون هذا الجمل حاملاً هودج النساء٬ وهناك من يرسمون الباخرة ونادرًا ما نجد من يرسمون الطائرة.

وأضاف سمنقير "أن الكعبة المشرفة ومقام إبراهيم عليه السلام يحتلان مكانة كبيرة لدى رسامي جرافيتي الحج ولن تجد جدارية لا تتزين بصورة الكعبة التي تعتبر الرمز الرئيسي للحج٬ وقد تجد صورة للمسجد الحرام أو صورة للمسجد النبوي إلى جانب بعض الرموز الدينية المصورة أشهرها صورة خيالية أطلقوا عليها اسم "البراق النبوي الشريف" في إشارة لرحلة الإسراء والمعراج.

وتابع "سمنقير"، أن الخط العربي لا يقل أهمية عن الصور في جداريات الحج وتتصدر الكتابات تهنئة الحاج بأداء المناسك وذلك بالصيغة المشهورة: "حج مبرور وسعى مشكور وذنب مغفور يا حاج"، ثم يذكر اسم الحاج المحتفى به٬ هذا إلى جانب العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الخاصة بالحج مثل "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق"، "وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِله" والحديث النبوي الشريف: "من زار قبري وجبت له شفاعتي"٬ والحديث: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة"٬ وغيرها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.


واختتم سنقير "أن هذه الجداريات بدأت منذ عصر السيرة الهلالية وكنا نرسم الحجة زمان على البيوت المدهونة بالجير وكنا نستعمل ألوان المياه وكانت أيامها رسومات مختلفة مثل امرأة ترقص أو رجل على الحصان أو امرأة تغني وبعد كدا تطورت الرسومات وبدأنا نرسم "الكعبة والقبة الخضراء والطائرة وغيرها على منازل مبنية بالطوب الأحمر وكنا بنآخد في الجدارية الواحدة من 50 إلى 70 جنيهًا وحاليًا الجدارية الواحدة تكلف من 150 إلى 300 جنيه حسب مساحة المنزل".

يذكر أن جداريات الحج شغلت اهتمام الباحثين المصريين والأجانب باعتبارها ظاهرة شعبية تستحق البحث حيث أكدت الدراسات أن هذا النوع من الرسوم بدأ في المناطق الريفية ثم تسرب تدريجيًّا إلى المدن الكبرى وخاصة القاهرة مؤكدة أن رسامي هذه الرسوم هم عادة مبجلون في مجتمعاتهم المحلية ويحظون بنوع من التقدير الاستثنائي بينما تتسم الرسوم بكون أصحابها على دراية واسعة بموضوعها فهم ليسوا فنانين متجولين وإنما هم أصحاب مهن أخرى وغالبيتهم من المدرسين ذوى المكانة التقليدية، وربما يعمل بعضهم في مجال الإعلانات التجارية أو الطلاء.

وأوضحت الدراسات أن الهدف من هذه الرسوم يتمثل في عدة أوجه، فكان البعض يلجأ إلى الخطاط ليقوم برسم لوحة بسيطة تعبر عن ذهابه لأداء هذه الفريضة الإسلامية وعودته بعد الانتهاء من أداء مناسك الحج كما كان البعض من جيران أو أصدقاء هذا المواطن الذي ذهب إلى تأدية الفريضة يقومون بالاستعانة بالخطاط كنوع من المجاملة والتهنئة له، فإذا عاد من بيت الله الحرام، وجد جدران بيته مزينة برسوم تعبيرية، وعبارات "حج مبرور وذنب مغفور".

كما أكدت الدراسات أن تلك الجداريات لها أهمية كبرى في توثيق ما تمثله فريضة الحج على وجه التحديد من مكانة كبيرة عند المصريين كما أنها دلالة على مدى الإبداع الفني الشعبي في مصر الذي يعبر أيضًا عن خصوصية نابعة من تراث إبداعي وتقاليد تضرب بجذورها إلى عصور قديمة فجدران المعابد المصرية مليئة بمثل هذه الحالات من التوثيق التي تعبر عن كيفية اعتماد المواطن المصري على توثيق هذه الرحلات، سواءً أكانت دينية، مثل فريضة الحج، أو احتفالات قومية وانتصارات في الحروب، تسجل جوانب عديدة من تاريخ مصر القديمة.