الأصل حرية الصحافة، لأنها تعنى فى المقام الأول حق الشعب المصرى فى المعرفة، والحصول على الخبر فى القضايا الأساسية ذات الاهتمام لدى الرأى العام.
ونظرا لأهمية هذا الحق، حظى باهتمام ورعاية المشرع، سواء فى الدستور، أو القانون، وكافة العهود والمواثيق الدولية.
وكان هذا واضحا فى دستور جمهورية مصر العربية الذى تم إعداده بعد مناقشات واسعة عن طريق لجنة الخمسين، التى تم اختيارها بعناية، ودقة، بعد ثورتى ٢٥ يناير، ٣٠ يونيو وتم الاستفتاء عليه، ووافقت عليه الأغلبية المطلقة من الشعب، وصدر بتاريخ ١٨/١/٢٠٠٤.
وأكدت العديد من مواده حماية هذا الحق، ونستعرضها حتى يتم التسلح بها فى مواجهة أى انتهاك لهذا الحق.
المادة ٦٥ من الدستور تنص على:
حرية الفكر والرأى مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر.
والمادة ٦٧ تنص على:
حرية الإبداع الفنى والأدبى مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب ورعاية المبدعين، وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك، ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى.
أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد فيحدد القانون عقوباتها، وللمحكمة فى هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزئى للمضرور من الجريمة، إضافة إلى التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها، وذلك كله وفقًا للقانون.
والمادة ٦٨ من الدستور تؤكد على ضرورة إتاحة المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة.
وكذلك تؤكد المادة ٧٠ على حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقى والمرئى والمسموع والإلكترونى وأن تصدر الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذى ينظمه القانون.
وتشدد المادة ٧١ و٧٢ على حظر فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها والتزام الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها.
وأكدت هذه المعانى والمبادئ مواد قانون سلطة الصحافة رقم ٩٦ لسنة ١٩٩٦ بشأن سلطة الصحافة فى المواد ٣، ٤، ٥، ٧ ،٨ ،٩ ،١٠ .
وبالرغم من أن المادة ٩٢ من الدستور تنص على:
الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلًا ولا انتقاصًا.
ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها.
إلا أننا لم نقم بإزالة المواد فى القوانين المختلفة التى تفرض حظر النشر سواء فى قانون العقوبات أو قانون المطبوعات، وقوانين أخرى عديدة لأنها تشكل قيدا على حرية الصحافة، خاصة نشر الأخبار مع تسليمنا بوجود مبرر للبعض منها فى القانون، ولكن لا بد من غربلتها، وإزالة ازدواجيتها مثل الحظر الذى تفرضه المادة ١٩٣ من قانون العقوبات التى تفرض حظر نشر أخبار بشأن تحقيق جنائى قائم، وتقرر سلطة التحقيق إجراءه فى غيبة الخصوم مراعاة للنظام العام أو الآداب كالتحقيقات أو المرافعات فى دعاوى الطلاق أو التفريق أو الزنا.
وقد يرد الحظر على نشر الأمور التى يكون من شأنها التأثير على سير الخصومة سواء عن طريق التأثير فى القاضى أو المحقق أو الشاهد أو الرأى العام لمصلحة طرف فى هذه الخصومة كما جاء بنص المادة ١٨٧ عقوبات وسايرتها المادة ٢٣ من قانون سلطة الصحافة رقم ٩٦ لسنة ١٩٩٦ حيث نصت على «يحظر على الصحيفة تناول ما تتولاه سلطات التحقيق أو المحاكمة بما يؤثر على صالح التحقيق أو المحاكمة، وتلتزم الصحيفة بنشر قرارات النيابة العامة ومنطوق الأحكام التى تصدر فى القضايا التى تناولتها الصحيفة بالنشر أثناء التحقيق أو المحاكمة، وموجز كاف للأسباب التى تقام عليها، وذلك كله إذا صدر قرار بالحفظ أو بأن لا وجه لإقامة الدعوى أو صدر الحكم بالبراءة.
وقد يرد الحظر على نشر بعض القضايا سواء كانت مدنية أو جنائية وتقرر المحكمة سماعها فى جلسة سرية. كما جاء فى نص المادة ١٨٩ من قانون العقوبات.
وبالرغم من هذه المادة تتعارض مع المادة ١٨ من قانون السلطة القضائية التى تنص على علانية المحاكمات والجلسات، وكذلك المادة ٢٦٨ من قانون الإجراءات الجنائية.
ويرد حظر النشر على الأخبار التى تعد من أسرار الدفاع كما جاء فى المواد، ٨٠/٢، ٨٠ ب، ٨٠ ج، ٨٠ د من قانون العقوبات.
كما أن المادة ٨٥ من قانون العقوبات حددت ما يعتبر سرًا من أسرار الدفاع.
وهذا الحظر الوارد فى القوانين العديدة لم يتم استخدامه أو التوسع فيه إلا بدءًا من عام ١٩٨٦ فى قضية الرشوة الكبرى التى كان فيها ٢٧ وكيلًا من وزارة الصناعة، ثم فى حادث قطار كفر الدوار فى عام ١٩٩٨ ثم حريق مسرح بنى سويف فى عام ٢٠٠٥، وبعد ثورة ٢٥ يناير فى ٢٣ نوفمبر صدر قرار حظر النشر فى قضية اغتيال المقدم محمد مبروك، وكذلك فى قضية مقتل اللواء نبيل فرج، مساعد مدير أمن الجيزة، وقضية كنيسة الوراق، وقضية التخابر المتهم فيها محمد مرسى، وقضية كمين برج العرب، والضبعة، وفى ٢ يناير ٢٠١٥ صدر قرار النائب العام بحظر النشر فى واقعة اختطاف النقيب أيمن محمد إبراهيم الدسوقى، وفى ١٢ فبراير حظر النشر فى قضية مقتل شيماء الصباغ، عضو حزب التحالف الاشتراكى، وأصدر القائم بأعمال النائب العام قرارًا بحظر النشر فى قضية اغتيال الشهيد هشام بركات النائب العام.. إلخ.
ونأمل فى مراجعة مواد القوانين المختلفة التى تضمنت حظر النشر لمنع التكرار، والازدواجية واستخدامها فى الغاية التى حددها المشرع، سواء اعتبارات الأمن العام أو المحافظة على الآداب أو عدم التشهير أو التأثير على القضاء، وسير التحقيقات، وعدم التوسع فيها أو الانحراف بها لتحقيق أغراض سياسية غير مشروعة، كالتستر على فساد أو انحراف، وذلك إعلاء لمبادئ ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو.