بينما ينغمس المرشحون الفرديون وزعماء القوائم الانتخابية المحسوبون على التيار المدنى فى معارك بينية تجنى ثمارها ما تعرف بالأحزاب الدينية تركوا ساحة التنافس السياسى مع التيار السلفى مهيئة ليكتسب المزيد من الشعبية والمصداقية لا سيما فى الدوائر التى تعتبر شبه معاقل تقليدية لهم.
معظم من حاربوا مرشحى وقوائم النور السلفى كونه حزبا دينيا اكتفوا باللحاق بحملة لا للأحزاب الدينية ولم يجهد أحدهم نفسه فى البحث عن خطاب يخترق معاقل هذا الحزب وأخواته من الأحزاب السلفية والمنتشرة فى أغلب الأحيان بالمحافظات الحدودية والبوادى المصرية.
فى تلك المناطق البعيدة عن عقل النخبة السياسية والثقافية قبل البعد الجغرافى يتحرك الناس فى إطار التقاليد والأعراف الموروثة بين أبناء القبائل والعشائر والتى تختلط أحيانا بما يعتقده الناس موافقا لأحكام الدين بسبب ما جرى من تعديلات على بعض أعراف وقوانين البادية من قبل شيوخ قبائلها وقضاتها العرفيين لتوافق الدين حسب فهمهم.
وقد استقر هذا النسق عبر مئات السنين فى معظم البوادى العربية لذلك كان من السهل على التيار السلفى اختراقها والبادية المصرية ليست استثناء من هذا الوضع.
وبسبب ضعف وجود الدولة المصرية فى تلك الأطراف لم يكن صعبا على السلفية الجهادية التى تعتمد العنف والإرهاب وسيلة لتحقيق أهدافها التسلل لبعض أبناء البادية رغم أن بنية الأعراف والتقاليد البدوية تحول دون اندلاع نزعات مسلحة بين العشائر والقبائل حتى إن القضاء العرفى يمتلك من الأدوات والأحكام التى تمنع شيوع عادة الثأر.
ولا يخفى على أحد أن محافظة مطروح وبواديها المترامية أحد أهم معاقل السلفيين فى مصر والأمر مشابه لحد كبير فى شبه جزيرة سيناء فى الوقت الذى تتلاشى فيه الأحزاب المدنية أو الأصوات المعبرة عن هذا التيار فى تلك المناطق.
على أن التواجد الشكلى من خلال مقار حزبية أو لافتات انتخابية لا يؤثر اللهم إلا فى جنب من سكان الحضر الوافدين من محافظات المركز.
لذلك لا سبيل لمحاربة خطر التيار السلفى والدينى فى البوادى المصرية إلا بخطاب يفهمه أهلها لكن أنى للنخبة السياسية والثقافية لصياغة خطاب سياسى واجتماعى مدنى بينما هى تجهل لغة وثقافة المواطنين المصريين البدو. لذلك ليس من خيار إلا الرهان على توجه الدولة الجاد لتنمية محافظات الأطراف. غير أن نجاح أى مشروع اقتصادى تنموى مرهون بصيغة مشروع ثقافى يعمل على دمج بدو مصر فى وجدان ثقافة النهر.
وليس أقدر على هذه المهمة من وزير الثقافة الحالى حلمى النمنم ربما لأنه قد يكون الأكثر وعيا بأهمية البعد الثقافى فى أى مشروع يستهدف تنمية الإنسان وأكثر إدركا بأن عملية التنمية تبقى ناقصة وعرجاء طالما استمر التيار الدينى الظلامى مهيمنا على العقل.
ولا يمكن الشروع فى عملية إنتاج خطاب ثقافى من هذا النوع بينما ثقافة أهل الصحراء غريبة عن ثقافة أهل النهر لذلك لا بد أن يبدأ المشروع فى نقل ثقافة وعادات وتقاليد وغناء وموسيقى وإيقاع أهل البادية على تنوعها واختلافها إلى مسامع أهل النهر.
ولا أعتقد أن اللجوء لقصور الثقافة فى تلك المحافظات مجديا ولكن يمكن استثمار عناصرها فى المساعدة للوصول إلى أهل البوادى فى عمق الصحراء، حيث لا يزالون ينظمون الشعر النبطى ويحتفلون بالسامر والدحية ويغنون بإيقاعات أخرى فى الصحراء الغربية الممتدة من مطروح إلى البحيرة والجيزة والوادى الجديد، وأعيد ما كتبته فى مرات سابقة ليس من المفهوم أن تسأنس الأذن المصرية بالإيقاع واللحن الخليجى وتعجز عن فهم واستيعاب الشعر السيناوى والإيقاع المطروحى.
بوسع وزير الثقافة تنظيم مهرجانات لشعراء البادية المصرية والتنسيق مع التليفزيون المصرى لتقديم نماذج من الفنانين والمطربين البدو مع تقديم برامج تسجيلية تقدم نمط حياتهم، وبوسعه أيضا تشجيع المبدعين من كتاب السيناريو والدراما للتجول بين الوديان والسهول والغوص فى عمق بحر الرمال لتقديم أعمال درامية تناقش تفاعل أهل الصحراء مع ما يشهده الوطن من تغيرات وتحولات عبر التاريخ.