وإذ نبدأ، بعد تأمل مقدمة المؤلف ومقدمة المترجم، مطالعة صفحات من كتاب «قضايا فى نقد العقل الدينى»، وفى الدراسة الأولى المعنونة «كيف ندرس الإسلام اليوم؟.. التواصل المستحيل» يبتدئ السطر الأول بشكوى يمكن تفهمها، فهو يقول «لم يعد كافيا اليوم أن نتساءل كيف يمكن أن نتحدث عن الإسلام والمجتمعات التى تنتسب إليه ضمن منظور نقدى بناء، فهذا ضرورى بالطبع، ولكن من الضرورى أيضا أن نتساءل عن كيفية تلقى الأبحاث العلمية من قبل جمهورين مختلفين جدا أقصد الجمهور الإسلامى من جهة والجمهور الأوروبى أو الغربى من جهة أخرى، إنهما مختلفان من حيث همومهما ومشاكلهما وبواعثهما وخياراتهما الدينية والسياسية والفكرية».
وهنا يبدأ أركون شكواه الأبدية، فهو مرفوض من الجمهورين وتحاصره شكوك واتهامات منهما.. إنه مفكر يعيش أبدا بين فكى كسارة بندق لا تفهم ولا تريد أن تفهم، فهو يشكو من الرفض القاطع لكتاباته «إذا ما انتهكت الحدود الصارمة بل والمتشددة أكثر فأكثر فى الظروف الحالية لهذا الفكر الرسمى الوحيد الذى تحدده الأدبيات التراثية أو التقليدية الواسعة الانتشار. فهذه الأدبيات التراثية المتشددة، الوعظية والجامدة والديماجوجية والغوغائية، تملأ رفوف المكتبات، وهى أكثر انتشارا بكثير جدا من الكتب العلمية التى تقدم صورة تاريخية أو موضوعية عن الإسلام» (ص١٨).. هذا عن الجمهور الإسلامى فماذا عن الطرف الآخر لكسارة البندق أى الجمهور الغربى؟ يقول أركون مشيرا إلى التفاوت الكبير بين كيفية ممارسة الفكر فى المجتمعات الإسلامية والتقدم الهائل الذى حققته المعرفة العلمية وتطبيقاتها التكنولوجية والفنية التى تم التوصل إليها فى الغرب»، ثم إن هذا الجمهور الغربى «مشحون بالأحكام السلبية المسبقة والعتيقة عن الإسلام والمسلمين، فهو يمتلك صورة ارتيابية، محاطة بالشبهات واللاثقة فيهم، إنها صورة احتقارية وغالبا عدوانية تجاه كل ما هو عربى أو مسلم، وهى أحكام مسبقة وراسخة عبر القرون، ومن الصعب إزاحتها أو تفكيكها» (ص١٩).
ويواصل أركون شكواه ليس فقط من جمهور العامة فى الغرب، وإنما أيضا من «الباحثين المختصين بالدراسات العربية والإسلامية»، ثم يقول «إننى أحلم بجمهور لا أعثر عليه فى الجهة الأوروبية ولا فى الجهة العربية والإسلامية»، ويتحدث أركون فى مرارة يمكن تفهمها: «إن وسائل الإعلام الغربية قد صاغت أو فبركت طيلة الثلاثين عاما الماضية صورة تتهمنا بالسطحية والهروب من المجابهة الفعلية، بينما نحن مضطرون إلى تأكيد هويتنا الإسلامية وإشهارها حتى لا نتعرض للاشتباه بنا». وهكذا يصبح التواصل مع كل من الجمهورين، الغربى والإسلامى، متعذرا، بل مستحيلا.
فالأوروبيون لا يدركون مدى الثمن الذى يدفعه المثقف العربى أو المسلم، إذ ينخرط فى الدراسة النقدية للتراث الإسلامى، ويقول أركون «فما إن يحمل الواحد منا اسما مسلما أو عربيا حتى يصبح مشتبها به من الناحية العلمية، فيكفى أن يكون اسمك (محمد) مثلى أنا، لكى تصبح غير قادر على التقيد بقواعد البحث العلمى».
إنها حالة صعبة جدا، يقول أركون: «إنها حالة أنا مسجون فيها غصب عنى. ومن الذى سجننى فى هذا الموقع؟ إنه الهيئة الفكرية أو العلمية العليا للغرب. فهى تعلو ولا يعلى عليها، إنما هى تصنف الناس أو مثقفى الشعوب الأخرى، ولا يستطيع أحد أن يصنفها، إنها السيدة المتعالية التى تتحدث بضمير الشخص الأول وتضع الآخر (غير الغربى) على مسافة منها، لكى تستجوبه وتحكم عليه، فهى التى تسأله وهو لا يحق له أن يسألها» (ص٢٢).
ويواصل محمد أركون شكواه، وهو الذى يعيش فى باريس يكتب بالفرنسية، ويشرب ذات الإكسبرسو، ويأكل ذات الكرواسون، لكن جنسه العربى واسمه «محمد» يجعله سجينا فى سجن الرفض الغربى «كل ما تفعله شىء تافه مللنا منه، وعفا عليه الزمن.
اذهب وصدّر أفكارك الساذحة إلى أبناء دينك فهم بحاجة إليها، أما نحن فقد تجاوزناها منذ عدة قرون»، أو «يقولون لى أنت تريد أن تبرهن بطريقة علمية زائفة إلى تلك العقيدة التى تقول بالصحة الإلهية للقرآن، وهى عقيدة لاهوتية خاصة بالمسلمين وليست عقيدة علمية» (ص٢٣).. ويقول شاكيا «لطالما سمعت هذه الانتقادات فى شتى العواصم الأوروبية، لطالما واجهتنى فى باريس، وستراسبورج وبرلين وروما وأمستردام وهارفارد وموسكو، فى كل مكان أذهب إليه أسمع ذات التعليقات، وهى تعنى أن هناك خطابا جماعيا جبارا ومشتركا لدى الجميع وبخاصة فيما يتعلق بالإسلام»، وحتى عندما يبدى البعض عن اقتناع أو عن مجاملة تعاطفا مع محمد أركون وأمثاله فإنهم يقولون فى دهشة «كيف لمسلم مثلك أن يتحدث هكذا؟ يا له من شىء رائع، ويبعث على الأمل أن نسمع هذا القول من مسلم ليبرالى ومتحرر مثلك، ولكنك لا يمكن أن تجد من يصغى إليه فى بلادك أو بين أبناء دينك، أنت تتجه عكس التيار أو عكس (الإسلام) أنت منشق عن دينك».
ثم يمضى أركون فيما يشبه البكاء قائلا: «إننا نحن المثقفين المهاجرين نجد أنفسنا مسجونين داخل قمقم إسلامى فى الغرب ومصيرنا التهميش والإحباط، أما أمثالنا الذين يعيشون فى أرض الإسلام فهم يواجهون موقفا أشد صعوبة ويتعرضون للتكفير والملاحقات القضائية» (ص٢٥)، لكن محمد أركون لا يرى بصيص الضوء الآتى، الذى يجب أن نتمسك به ونحلم به أيضا.
وهنا يبدأ أركون شكواه الأبدية، فهو مرفوض من الجمهورين وتحاصره شكوك واتهامات منهما.. إنه مفكر يعيش أبدا بين فكى كسارة بندق لا تفهم ولا تريد أن تفهم، فهو يشكو من الرفض القاطع لكتاباته «إذا ما انتهكت الحدود الصارمة بل والمتشددة أكثر فأكثر فى الظروف الحالية لهذا الفكر الرسمى الوحيد الذى تحدده الأدبيات التراثية أو التقليدية الواسعة الانتشار. فهذه الأدبيات التراثية المتشددة، الوعظية والجامدة والديماجوجية والغوغائية، تملأ رفوف المكتبات، وهى أكثر انتشارا بكثير جدا من الكتب العلمية التى تقدم صورة تاريخية أو موضوعية عن الإسلام» (ص١٨).. هذا عن الجمهور الإسلامى فماذا عن الطرف الآخر لكسارة البندق أى الجمهور الغربى؟ يقول أركون مشيرا إلى التفاوت الكبير بين كيفية ممارسة الفكر فى المجتمعات الإسلامية والتقدم الهائل الذى حققته المعرفة العلمية وتطبيقاتها التكنولوجية والفنية التى تم التوصل إليها فى الغرب»، ثم إن هذا الجمهور الغربى «مشحون بالأحكام السلبية المسبقة والعتيقة عن الإسلام والمسلمين، فهو يمتلك صورة ارتيابية، محاطة بالشبهات واللاثقة فيهم، إنها صورة احتقارية وغالبا عدوانية تجاه كل ما هو عربى أو مسلم، وهى أحكام مسبقة وراسخة عبر القرون، ومن الصعب إزاحتها أو تفكيكها» (ص١٩).
ويواصل أركون شكواه ليس فقط من جمهور العامة فى الغرب، وإنما أيضا من «الباحثين المختصين بالدراسات العربية والإسلامية»، ثم يقول «إننى أحلم بجمهور لا أعثر عليه فى الجهة الأوروبية ولا فى الجهة العربية والإسلامية»، ويتحدث أركون فى مرارة يمكن تفهمها: «إن وسائل الإعلام الغربية قد صاغت أو فبركت طيلة الثلاثين عاما الماضية صورة تتهمنا بالسطحية والهروب من المجابهة الفعلية، بينما نحن مضطرون إلى تأكيد هويتنا الإسلامية وإشهارها حتى لا نتعرض للاشتباه بنا». وهكذا يصبح التواصل مع كل من الجمهورين، الغربى والإسلامى، متعذرا، بل مستحيلا.
فالأوروبيون لا يدركون مدى الثمن الذى يدفعه المثقف العربى أو المسلم، إذ ينخرط فى الدراسة النقدية للتراث الإسلامى، ويقول أركون «فما إن يحمل الواحد منا اسما مسلما أو عربيا حتى يصبح مشتبها به من الناحية العلمية، فيكفى أن يكون اسمك (محمد) مثلى أنا، لكى تصبح غير قادر على التقيد بقواعد البحث العلمى».
إنها حالة صعبة جدا، يقول أركون: «إنها حالة أنا مسجون فيها غصب عنى. ومن الذى سجننى فى هذا الموقع؟ إنه الهيئة الفكرية أو العلمية العليا للغرب. فهى تعلو ولا يعلى عليها، إنما هى تصنف الناس أو مثقفى الشعوب الأخرى، ولا يستطيع أحد أن يصنفها، إنها السيدة المتعالية التى تتحدث بضمير الشخص الأول وتضع الآخر (غير الغربى) على مسافة منها، لكى تستجوبه وتحكم عليه، فهى التى تسأله وهو لا يحق له أن يسألها» (ص٢٢).
ويواصل محمد أركون شكواه، وهو الذى يعيش فى باريس يكتب بالفرنسية، ويشرب ذات الإكسبرسو، ويأكل ذات الكرواسون، لكن جنسه العربى واسمه «محمد» يجعله سجينا فى سجن الرفض الغربى «كل ما تفعله شىء تافه مللنا منه، وعفا عليه الزمن.
اذهب وصدّر أفكارك الساذحة إلى أبناء دينك فهم بحاجة إليها، أما نحن فقد تجاوزناها منذ عدة قرون»، أو «يقولون لى أنت تريد أن تبرهن بطريقة علمية زائفة إلى تلك العقيدة التى تقول بالصحة الإلهية للقرآن، وهى عقيدة لاهوتية خاصة بالمسلمين وليست عقيدة علمية» (ص٢٣).. ويقول شاكيا «لطالما سمعت هذه الانتقادات فى شتى العواصم الأوروبية، لطالما واجهتنى فى باريس، وستراسبورج وبرلين وروما وأمستردام وهارفارد وموسكو، فى كل مكان أذهب إليه أسمع ذات التعليقات، وهى تعنى أن هناك خطابا جماعيا جبارا ومشتركا لدى الجميع وبخاصة فيما يتعلق بالإسلام»، وحتى عندما يبدى البعض عن اقتناع أو عن مجاملة تعاطفا مع محمد أركون وأمثاله فإنهم يقولون فى دهشة «كيف لمسلم مثلك أن يتحدث هكذا؟ يا له من شىء رائع، ويبعث على الأمل أن نسمع هذا القول من مسلم ليبرالى ومتحرر مثلك، ولكنك لا يمكن أن تجد من يصغى إليه فى بلادك أو بين أبناء دينك، أنت تتجه عكس التيار أو عكس (الإسلام) أنت منشق عن دينك».
ثم يمضى أركون فيما يشبه البكاء قائلا: «إننا نحن المثقفين المهاجرين نجد أنفسنا مسجونين داخل قمقم إسلامى فى الغرب ومصيرنا التهميش والإحباط، أما أمثالنا الذين يعيشون فى أرض الإسلام فهم يواجهون موقفا أشد صعوبة ويتعرضون للتكفير والملاحقات القضائية» (ص٢٥)، لكن محمد أركون لا يرى بصيص الضوء الآتى، الذى يجب أن نتمسك به ونحلم به أيضا.